المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, ٢٠٢٤

العشاء الأخير: مقتطف من رواية أضواء النفق الجنوبي

صورة
  العشاء الأخير: مقتطف من رواية أضواء النفق الجنوبي  محمد إبراهيم محمد عمر همد محمود         التفت أسرة رابين حول مائدة العشاء، وبريق السعادة يتألق في عيني رابين وزوجته كيفيرا حاييم، وهو يقول: - نسور الجو نفذوا اليوم أكثر من مائتي طلعة. أتمنى أن يأتي يوم نتخلص فيه من هؤلاء الأغيار. فترد زوجته في ملل: - لا أظن أن ذلك اليوم سيأتي.. ستكمل ذخائركم قبل أن تقضوا عليهم. يومئ رابين برأسه موافقاً زوجته على رأيها، لقد صدقت فيما قالت، فهو أكثر من يعلم ذلك جيداً، وقد كان لهم قائد يصف هؤلاء الفلسطينيين بالنبت الشيطاني، الذي يخالف في وجوده كل قواعد العقل والمنطق، فإذا كان العالم يتزايد بمتوالية هندسيَّة فهؤلاء الفلسطينيون يتزايدون بمتوالية سرطانيَّ  خبيثة، اقتل فلسطينيَّا واحداً يظهر لك عشر، اقتل عشراً منهم ينبت لك ألف منهم، اقتل ألفاً فلن تجد لك موضعاً تقضي فيه حاجتك. ولا يزال رابين يتذكَّر كم من الفلسطينيين قتلهم هو بنفسه عندما كان جنديًّاً في الجيش الإسرائيلي، فيرتعش طرباً لذكرى تلك الأيام الخوالي، وقد عاد بخياله إلى حرب 1956م، وقد اجتاحت كتيبتهم قرية خانيونس، ولم يجدوا بها مقاومة تذكر من قبل الف

ليلة تحت القصف: مقتطف من رواية أضواء النفق الجنوبي

صورة
  ليلة تحت القصف: مقتطف من رواية أضواء النفق الجنوبي  محمد إبراهيم محمد عمر همد محمود       أقبل الليل ملتحفاً عباءته السوداء، طامساً لوحة القطاع بفرشاته السوداء، يتخلَّله وميض القنابل التي تنهمر على دفعات متقاربة، فيتداخل دوي القنابل بسارينات  سيارات الإسعاف وأصوات انهيارات المنازل. ثمَّة بيت في أطراف القطاع ينبعث منه بصيص ضوء، بالداخل امرأة في العقد الثاني من عمرها ذات وجه طفولي وجسد ناحل أنهكته آلام الطلق، وعبثت بملامحه أمراض سوء التغذية، يبدو طلقها حاراً إلَّا أنَّ قواها الخائرة تخذلها فتعجز عن دفع الجنين إلى خارج الرحم، ذلك على الرغم من حثِّ النساء لها على الصبر وحسن البلاء، ولكن يبدو أنَّها فعلت أقصى ما تستطيع فعله، وقد بدأت تحسُّ بأنَّ جسدها يسترخي، بل شعرت بشيء غريب، وقد وجدت أنَّها صارت تتخفَّف من جسدها كمن يخلع عنه العباءة بعد عناء سفر شاقٍّ في نهار صيفيٍّ غائط، وثمة تيار بارد ينبعث من أسفلها، كأنَّ مكيِّفاً ضخماً وضع أسفل قدميها، وتتثاقل عيناها كأنَّ هنالك من يهيل عليهما كثيباً من الرمال الناعمة، تبدي المقاومة، فيزيد ذلك من تثاقل عينيها، فتستسلم لهذا الشعور. تصرخ النسوة حوله

إستراتيجيات خطاب (طوفان الأقصى)

صورة
  إستراتيجيات خطاب (طوفان الأقصى)  محمَّد إبراهيم محمَّد عمر همَّد محمود الخطاب لغة واصطلاحاً     يأتي الخطاب والمخاطبة في اللغة بمعنى  المراجعة في الكلام، والمشاورة،(1) أما في الاصطلاح فله عدة تعريفات متقاربة منها: 1. تعريف الآمدي: "اللفظ المتواضع عليه، المقصود به إفهام من هو متهيئ لفهمه.".(2)  2. الخطاب هو"كل منطوق به موجه إلى الغير بغض إفهامه مقصوداً مفهوماً.".(3) 3. الخطاب هو "أي منطوق أو فصل كلامي يفترض وجود راوٍ ومستمع وفي نية الراوي التأثير على المستمع بطريقة ما.".(4) 4. الخطاب هو ما"يتكون من وحدة لغوية قوامها سلسلة من الجمل.".(5) يلاحظ في التعريفات أعلاه أنها تتفق في كونها تقصد بالخطاب كل كلام موجه من شخص لآخر بقصد إفهامه أمراً ما، وهذا يعني أنَّ كل خطاب يتكون من راوٍ ومستمع ومضمون يريد الرواي إفهامه المستمع. وبناء على ذلك تعتمد الدراسة على ما جاء في تلك التعريفات  للخطاب، فتقصد به كل ما صدر من كلام موجه للغير عن جهة رسمية تمثل أي جانب من الجانبين( المقاومة، وسلطة الاحتلال)، سواء أكان ذلك جملة واحدة أو أكثر. أما إستراتيجيات الخطاب فهي الس

الحفل: مقتطف من رواية أضواء النفق الجنوبي

صورة
 الحفل: مقتطف من رواية أضواء النفق الجنوبي          محمد إبراهيم محمد عمر همد محمود شرع الجنود في التفتيش العاري للأسرى، هذه أول مرة يتعرض فيها لتفتيش كهذا، وهاهو الجندي ديفيد يعبث به، ويطلق قفشاته الماجنة، والتي يصف فيها جسده النحيل، هذا الجندي قد تجاوز حدود الوقاحة وهو الآن على مشارف حدود المجون والخلاعة، إذ يصف أعضاء حساسة لنبيل الدباغ حتى نبيل نفسه لم يلاحظ ذلك فيها، وكان ذلك أكثر مما يحتمل صبرھ ، ولو كان يحتمل شيئاً من هذا الإذلال الذي يتعرض له الآن لما كان هنا في السجن محكوماً عليه بسبعة عشر عاماً من الأصل، ما يزيده غيظاً أنه لا أحد من زملائه الأسرى يبدي اكتراثاً للتفتيش العاري، يبدو أن المناطق الحساسة في هذه  الأجساد قد فقدت حساسيتها منذ وقت طويل، ولا بأس من عرضها على  العامة بين الفينة والأخرى، ولو علم بعدد المرات التي تعرضت فيه هذه الأجساد لتفتيش كهذا لما أبدى استغراباً أو غيظاً منهم، من الصعب أن يعد الإنسان منطقة ما عورة من جسدھ وھو قد تعرض لتفتيش عار أمام الملأ أكثر من  من خمسمائة مرة، لابد أن كل سجين وسجان هنا لديه معلومات جغرافية وافية عن تقاطيع  جسد أي سجين آخر هنا، إذاً