شعر ابن غنام: أغراضه وخصائصه الفنيَّة

 

شعر ابن غنام: أغراضه وخصائصه الفنيَّة

أ. محمَّد إبراهيم محمد عمر همَّد محمود

 


مقدِّمة

       ارتبطت الدَّولة السُّعُوديَّة بالدَّعوة السلفيَّة منذ تحالف الإمام محمَّد بن سعود أمير الدّرعيَّة والشيخ محمَّد بن عبد الوهاب في عام 1157هـ، ومنذ ذلك التاريخ واجهت الدَّولة السُّعُوديَّة خصوماً أشدَّاء، وخاضت حروباً شرسة، استخدم فيها أعداؤها كلَّ عدَّتهم وعتادهم، وكلَّ أسلحتهم الفكريَّة والأدبيَّة، فبينما كان الإمام وأتباعه يذودون عن حياض الدَّولة بحدِّ السلاح، والشيخ وأبناؤه من بعده بالحجَّة والدَّليل والبرهان- ظهر مجموعة من الشُّعراء الذين انبروا للدِّفاع عن الدَّولة والدَّعوة ومنافحة أعدائهما بسلاح الشِّعر، فظهر في كلِّ عصر منهم طائفة، ومن أشهر هؤلاء الشُّعراء السَّلفيِّين الشَّاعر والمؤرِّخ حسين بن أبي بكر بن غنَّام في عهد تأسيس الدَّولة السُّعُوديَّة، وأحمد بن علي بن حسين الشهير بابن مشرَّف في عهد الدَّولة السُّعُوديَّة الثَّانية، وسليمان بن سحمان في عهد الدَّولة السُّعُوديَّة الثَّالثة.

الحياة الأدبيَّة في الدولة السعوديَّة الأولى

         ساد في الجزيرة العربيَّة نوعان من الشعر في عهد ما قبل الدولة السعوديَّة الأولى وما بعدها حتى إلى مدة  ما بعد الحرب العالمية الأولى، والنوعان هما: الشعر الشعبيُّ، والشعر التقليديُّ، فبينما كان الشعر الشعبيُّ يعبِّر عن الحياة العربيَّة البدويَّة، ويصوِّرها تصويراً صادقاً – كان الشعر التقليديُّ بعيداً كلَّ البعد عن تصوير تفاصيل الحياة اليوميَّة آنذاك، وساد فيه التكلُّف والصناعة اللفظيَّة، وكانت مراكزه في الحواضر والمدن، وقد امتاز الشعر التقليديُّ بالتزام اللغة الفصحى، بينما نهج الشعر الشعبيُّ إلى استخدام اللغة العاميَّة، الأمر الذي قلَّل من حظوظ قبوله لدى الأدباء والمهتمين،(1) ثمَّ تأثرت الحياة الأدبيَّة بتعاليم الدعوة السلفيَّة في الدولة السعوديَّة الأولى، فظهر من الشعراء من يتبنَّى قضاياها، ويؤكِّد صحتها وأحقيَّتها بالإتباع، ويستميت في الدفاع عنها، وكان من أوائل الشعراء الذين ناصروا الدعوة السلفيَّة الشاعر محمد بن إسماعيل الحسيني الصنعاني،(*) الذي مدح الدعوة وشيخها من على البعد، حيث كان مقيماً في اليمن، وذلك لمَّا بلغه أمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته، ومحاربته الشرك وأهله، والبدع وأصحابها، وأمره بالمعروف

ونهيه عن المنكر، فكتب إليه تلك القصيدة في سنة 1163هـ، يقول

الصنعاني في مطلع تلك القصيدة:(2)

سَلامٌ عَلَى نَجْدٍ ومَنْ حَلَّ فِي نَجْدِ    وإنْ كان تَسْلِيمِي على البُعدِ لا يُجْدِي

إلى أن يقول في مدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب(3):

   وقَد جَاءَتِ الأخبارُ عَنْهُ بأنَّهُ            يُعِيدُ لَنا الشَّرَعَ الشَّرِيفَ بِمَا يُبْدِيْ

وَيَنْشِرُ جَهْرَاً مَا طَوَى كلُّ جاَهلٍ       ومُبتدِعٍ مِنهُ فَوافَقَ مَا عِنْدِيْ

   وَيَعْمِرُ أرْكَانَ الشَّرِيْعَةِ هَادِمًا           مَشَاهِدَ ضَلَّ النَّاسُ فِيْهَا عَنِ الرُّشْدِ

ويقول أيضاً في تحريق الشيخ محمد بن عبد الوهاب  كتاب دلائل الخيرات(4):

        وَحَرَّقَ عَمْداً الدَّلائِلَ دَفْتَراً       أصَابَ فَفِيْهَا مَا يَجِلُّ عَنِ العَدِّ

غُلوٌ نهَى عَنْهُ الرَّسُولُ وفِرْيَةٌ    بِلَا مِرْيَةٍ فاتْرُكْهُ إنْ كُنْتَ تَسْتَهْدِيْ

أحَادِيثُ لا تُعْزَى إلى عَالِمٍ ولَا   تَساوي فِلْسَاً إنْ رَجَعْتَ إلى النَّقْدِ

كما اهتمَّ بمناصرة الدعوة شاعر آخر من شعراء منطقة عسير، ألا وهو الشاعر الشيخ أحمد الحفظي، الذي ناصر الدعوة السلفيَّة، وأثنى على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومدح الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود،

ووصفهما بالاستقامة  على طريق الحق بحجة القرآن، وبقوة السيوف التي

تذب عن الدعوة خصومها، وذلك حيث يقول(5):

سَلَامٌ عَلى الشَّيْخِ الإِماَمِ (مُحَمَّدٍ)           وَصَبَّتْ عَلَى مَثْوَاه سُحُبٌّ هَوَامِيَا

سَلَامٌ عَلى عَبْدِ العَزِيزِ وأَصلِهِ           فإنَّهُمَا كَانَا وكَانَا مُوَاسِيَا

  فَقَامَ وَقَامُوا وَاسْتَقَامُوا بِحُجَّةٍ           بِحُجَّةِ قُرآنٍ وَضَرْبِ المَوَاضِيَا

وسار على خطى الشيخ أحمد الحفظي ابنه محمد في تأييد الدعوة ونصرتها، حيث يقول  محمد بن أحمد الحفظي عن الدعوة(6):

 تَأَلَّقَ بَرْقُ الحَقِّ فِي العَارِضِ النَّجْدِيْ      فَعَمَّ حَيَاةَ الكَوْنِ فِي الغَوْرِ وَالنَّجْدِ

وَأَوْرَقَتِ الْأَشْجَارُ وَانْتَهَضَتْ بِهَا          يَوَانِعُ أَنْوَاعٍ مِنِ الثَّمَرِ الرَّغْدِ

  دَعَانَا إلَى الإسْلَامِ دِيْنِ إلَهِنَا               وَتَوْحِيْدِهِ بِالْقَوْلِ وَالفِعْلِ وَالقَصْدِ

     هَدَانَا بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ وَالْعَمَى             وَأنْقَذَنَا بَعْدَ الْغَوَايَةِ بِالرُّشْدِ

وفي سياق التراشق الشعريِّ بين أتباع الدعوة وخصومها ظهر شعر النقائض في عصر الدولة السعوديَّة الأولى، وسبق أن دعا محمد بن أحمد الحفظي حاكم المخلاف إلى الدخول في دعوة التوحيد، موضِّحاً له جهود الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الذود عن دين الإسلام وذمِّ المخالفين المبتدعين الذين يدعون الأنبياء والأولياء والصالحين، وأن طريقته في نشر الدعوة تقوم على اللين

والرفق، وليس فيها شيء من الغلظة والفظاظة كما يتهمه الخصوم، وذلك كما

في قوله(7):

       وَيَذِبُّ عَنْ شَرْعِ النَّبِيِّ محمَّدٍ         وَيَذِمُّ مَنْ يَدْعُو النَّبِيَّ أَو الوَلِيْ

إنْ كَان ظَنَّاً أنَّ فِيهِ غَلَاظَةً        وَفَظَاظَةً وَنِكَايَةً لَمْ تُجْمَلِ

 فَأقُولُ حَاشَا إنَّ فِيهِ لُيونَةً          وَبَشَاشَةً للْمُقْبِلِ المُسْتَقْبِلِ

وحينها ردَّ على تلك القصيدة الشاعر حسن بن خالد من أهل منطقة المخلاف، فقال(8):

      أمَّا الرِّسَالَات الَّتِي مِنِ الـ               ـدَّاعِي فَأَمْرٌ مَا بِهِ مِنْ مَدْخَلِ

      لَكنَّها جَاءَتْ بِأَيْدِيْ عِصْبَةٍ              عَمِلُوا بِضِدِّ مُفَصَّلٍ مَعَ مُجْمَلِ

بَلْ صَرَّحُوا بِالشِّرْكِ فِيْ كُلِّ الوَرَى      مِنْ أُمَّةِ الهَادِي بِغَيْرِ تَأَمُّلِ

       وَكَم اسْتبَاحُوا مِنْ شُيُوْخٍ رُكَّعٍ            كَمْ مِنْ تَقِيٍّ عَابِدٍ مُتَبَتِّلِ

       وهنا يعيد الشاعر حسن بن خالد ذات الاتهامات التي تعرَّضت لها الدعوة وأتباعها، من تكفير للمسلمين واستحلال دمائهم، وهي تهم ظلت تذكر في كل شعر النقائض من خصوم الدعوة، الأمر الذي جعل شعراء الدعوة يتصدون بالردِّ عليهم، وتفنيد تلك الاتهامات، وهذا ما سيجده القارئ في شعر ابن غنَّام، الذي سيأتي ذكره في هذه الدراسة في الأسطر القادمة.كما تأثَّر النثر في تلك المدة بموضوعات الدعوة السلفيَّة وقضاياها، فجاءت تلك الموضوعات والقضايا أساساً  لمحتواه، وقد كانت رسائل الشيخ

محمد عبد الوهاب وكتبه أبرز أنواعه، وهذا نصٌّ من إحدى الرسائل إلى أهل

الأحساء  يقول فيها: "فإنَّ الله تبارك وتعالى أرسل محمداً- صلَّى الله عليه وسلم - إلينا على حين فترة من الرسل، فهدى الله به إلى الدين

والشرع التَّام، وأعظم ذلك وأكبره وزبدته إخلاص الدين لله، بعبادته

وحده لا شريك له، والنهي عن الشرك، وهو ألا يدعى أحد غيره من الملائكة والنبيين، فضلاً عن غيرهم.".(9) وهذا النصُّ فيه أثر واضح للدعوة ، فهو يدعو إلى الدين الخالص، ألا وهو توحيد الله وإفراده بالعبادة، والتحذير من الشرك نحو التوجه بالدعاء للأنبياء أو الملائكة أو غيرهم من الناس كالأولياء والصالحين، كما يتميَّز النص بانسيابه وبساطته ووضوحه، وبعده عن التكلُّف والزخارف اللفظيَّة كالسجع ونحوه، بل يوضِّح غرضه وموضوعه بأوضح الألفاظ وأسهلها. ومن النثر في تلك المدة كتابات تلاميذ الشيخ، ومن ذلك هذا النصُّ من خطاب الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى العلماء والقضاة في أرض الحرمين والعراق والشام والمغرب: "أما بعد، فإنَّ الله عز وجل شأنه، وتعالى سلطانه لم يخلق الخلق عبثاً، ولا تركهم سدى وإنما خلقهم لعبادته، فأمرهم بطاعته وحذَّرهم مخالفته، وأخبرهم تعالى بأن الجزاء واقع لا محالة، إما في ناره بعدله، أو في جنته بفضله ورحمته.".(10) ويلتقي هذا النصُّ مع النصِّ السابق في الاهتمام بدعوة التوحيد، ودعوة الناس إليه، وتحذيرهم من الشرك بالله، كما يلتقيان أيضاً في البساطة والبعد عن التكلُّف، مع وجود مسحة زخارف لفظيَّة غير متكلَّفة في النصِّ الثاني، وذلك نحو المقابلة في

قوله: " فأمرهم بطاعته وحذَّرهم مخالفته.".(11) وهنالك من الأدباء من جمع بين النثر والشعر، ومن هؤلاء الشاعر والمؤرِّخ حسين بن أبي بكر بن غنَّام، ومن نثره كتابه التاريخيُّ، الذي يتناول بالسرد وقائع الدعوة السلفيَّة ومشاهدها، وكذلك التوثيق لكتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى أهل البلاد من أتباع وخصوم، وامتاز تاريخه بالكتابة المسجوعة، ومن ذلك هذا النصُّ يصف فيه جور دهام  ابن دوَّاسحاكم الرياض قبل أن تدين لبني سعود: ((فمنها أنه غضب يوماً على امرأة، فأمر بفمها أن يخاط، ويتكرر في شفتيها تردد المخاط. ومنها أنه غضب يوماً على رجل، فقطع من فخذه قطعة، وقال: لا بد أن يُسِيغَها مُضغة مُضغة.)).(12) ويسير ابن غنَّام على هذا المنوال من سجعه في معظم كتابه. ويتَّضح ممَّا سبق ذكره أنَّ الدعوة السلفيَّة قد أثرت في الحياة الأدبيَّة، ووجهتها نحو تبنِّي موضوعات محدَّدة تتعلَّق بالدعوة السلفيَّة وقضاياها والكتابة عنها والتأريخ لها.

نبذة عن الشاعر ابن غنَّام:

       واسمه حسين بن أبي بكر بن غنَّام، ولد في المُبَرَّز في الأحساء ونشأ فيها، ثم هاجر إلى الدرعيَّة، وأقام بها حتى وفاته، وكان قدومه إلى الدرعيَّة في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود، وفي حياة الشيخ

محمد بن عبد الوهاب، وقد قُوبِلَ بالحفاوة والإكرام منهما،(13) وشرع ابن غنَّام في تدريس علم النحو وعلم العروض، فتتلمذ على يديه طائفة من علماء الدرعيَّة، ومنهم الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وعبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب،

وناصر بن حمد بن معمر، والشيخ عبد العزيز بن ناصر بن معمر، وغيرهم من علماء الدرعيَّة ومشاهيرها. ومن مؤلَّفاته العلميَّة كتاب (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات الإسلام)، وهو سفر تاريخيٌّ مسجوع، جمع فيه تاريخ الدعوة السلفيَّة ووقائعها، واشتهر لاحقاً

بتاريخ ابن غنَّام، كما له كتاب آخر اسمه(العقد الثمين في أصول الدين).(14) وتوفي الشاعر ابن غنَّام في شهر ذي الحجة سنة 1225هـ،(15) الموافق للعام 1811م.(16)

منزلته الشعريَّة:

         مع شهرة ابن غنَّام في التأريخ، فإنَّه يُعدُّ من الشعراء المبرِّزين في عصر الدولة السعوديَّة الأولى، وقد نوَّه بعض العلماء باستحسان شعره، قال عنه ابن بشر صاحب كتاب(عنوان المجد في تاريخ نجد): "له معرفة في الشعر والنثر.".(17) كما قال عنه الشيخ عبد الرحمن بن حسن مؤلف كتاب (الدرر السنيَّة في الأجوبة النجديَّة): "العلامة أبو بكر بن غنَّام- فريد وقته بعلم المعقول والمنقول، والشعر والإنشاد-في صدر القرن الثالث عشر.".(18) كما قيل  عن شعره: "لو جمعت قصائده لجاءت ديواناً متوسطاً، فإن له القصائد الجياد.".(19)كانت تلك طائفة من أقوال العلماء في الثناء على شعره،

واستجادة قصائده، مما يشير إلى علو منزلته الشعريَّة.

أغراض الشعر عند ابن غنَّام:

       لم يُجمَع شعر ابن غنَّام بين دفتي كتاب، سواء أكان ذلك في حياته أم بعد وفاته، كما لا يمكن الجزم بعدد قصائده، ولا مقدار ما فُقِدَ منها، فقد ذكر ابن غنَّام ست قصائد في تاريخه (تاريخ ابن غنَّام)،(20) كما وردت قصيدة له طويلة في كتاب (عنوان المجد في تاريخ نجد) في رثاء الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، وهي غير مذكورة في تاريخه،(21) وقد وردت قصيدة له  في كتاب (شعراء هجر من القرن الثاني عشر إلى القرن الرابع عشر) لمؤلِّفه عبد الفتاح محمد الحلو، وقد ذكر أنَّها قيلت في مدح الشيخ عبد الله الكردي البيتوشي،ولم ترد القصيدة في تاريخه المشهور(تاريخ ابن غنَّام)، يقول في مطلعها:(22)

هَلِ الدِّعصُ إلَّا ما حواهُ إزَارُها         أو البانُ إلَّا ما أبانَ اهتِصارُها

بالإضافة إلى قصيدة ذات مقدِّمة غزليَّة يقول في مطلعها:

حَكَت أدمُعِي يومَ الوداعِ الغَمائِمُ         وشابَهَ نوحِي في الرِّباع الحمائِمُ

وتقع في اثنين وثلاثين بيتاً، وقد وردت هذه القصيدة منسوبة إليه في كتاب (شعراء هجر من القرن الثاني عشر إلى القرن الرابع عشر) لمؤلِّفه عبد الفتاح

محمد الحلو، وقد ذكر أنَّها قيلت في مدح الشيخ عبد الله الكردي البيتوشي،(23)ولم ترد القصيدة في تاريخه المشهور(تاريخ ابن غنَّام)، وكذلك ذُكرت له قصيدة في كتاب(نفحات من عسير)، وهي ردٌّ على قصيدة الشاعر محمد أحمد الحفظي، التي مدح بها عبد العزيز بن محمد بن سعود، وجاء في ردِّ ابن غنَّام عليها قوله:(24)

إِمَامُ الهُدَى عَبْدُ العَزِيْزِ وَقَبْلَهُ     أَبُوْهُ فَنَالُوا رِفْعَةَ الشَّأنِ وَالْقَدْرِ

 وكانت تلك القصائد مقسَّمة على الأغراض الشعريَّة التالية:

1. المدح: مدح ابن غنَّام عبد العزيز لما دخل الرياض سنة 1187هـ، وقد فرَّمنها عدوّه دهام بن دوَّاس خوفاً من لقائه، يقول ابن غنَّام في مطلع القصيدة:(25)

كَشَفَ الْحَقُّ ظُلْمَةَ الإِغْلَاسِ       وَمَحَا الدِّيْنُ جُمْلَةَ الْأَرْجَاسِ

إلى أن يتحدَّث عن فتوح عبد العزيز وما حقَّقه من فخر بتلك الفتوح، التي كانت في سبيل إعلاء الشريعة والرفع من منزلتها السَّاميَّة، وتثبيت أركانها على الأرض التي ملِئتْ شركاً، وذلك عن طريق نور هداها، الذي بانت به معالمها للنَّاس، وسطع نورها لهم في كلِّ بلدان نجد، حتى صاروا في معيَّتها آمنين في طريقهم من الزلل، وذلك حيث يقول:(26)

كَمْ بَدَا مِنْ أَبِيْ سُعُودِ سُعُوْدٌ     وَفِتُوْحٌ وَمَفْخَرٌ لأُنَاسِ

قَدْ عَلَتْ رُتْبَةُ الشَّرِيْعَةِ لَمَّا         شَادَ أَرْكَانَهَا بِأَقْوَى أَسَاسِ

         وَسَمَا مَنْهَجُ المَحَجَّةِ سَمْكَاً       وَاسْتَبَانَتْ مَعَالِمٌ فِيْ انْدِرَاسِ

  وَتَبَدَّى الهُدَى فَأَضْحَى سَنَاءً      سَاطِعَ النُّوْرِ لَامِعَ النِّبْرَاسِ

  وَأَضَاءَتْ بِذَلِكَ بُلْدَانُ نَجْدٍ        وَمَضُوا بَعْدَهُ بِغِيْرِ احْتِرَاسِ

2. التهنئة: وقد هنَّأ الشاعر ابن غنَّام الإمام سعود وأباه عبد العزيز بقدوم سعود الحسا بعد مقتل ثويني، يقول في مطلع القصيدة:(27)

تَلَأْلَأَ نُوْرُ الحَقِّ وَانْصَدَعَ الفَجْرُ    وَدَيْجُوْرُ لَيْلِ الشِّرْكِ مزَّقَه الظهرُ

إلى أن يهنِّئَ عبد العزيز بما حقَّق الله على يديه للدين من فخر، وذلك بفتح فُتِحَتْ له أبواب السماوات والجنان، وافتخرت به أرض هجر، وهو فتح طأطأت له الملوك جباهها، وتهلَّل وجه الدهر إشراقاً به، فارتفع قدره على أن يحصي فضائله نثر أو شعر:(28)

تَهَنَّ بِهَذَا الفَتْحِ يَا ابْنَ محمَّدٍ          فَقَدْ تَمَّ لِلدِّيْنِ القَوِيْمِ بِهِ فَخْرُ

هَنِيْئًا لَكَ الفَتْحُ الَّذِيْ فُتِحَتْ لَهُ السَّـ ـمَواتُ وَالفِرْدَوْسُ وَافْتَخَرَتْ هَجْرُ

هَنِيْئًا لَكَ الفَتْحُ الَّذِيْ طَأْطَأَتْ لَهُ   جِبَاهُ المُلُوْكِ الصِّيْدِ وَاتَّضَعَ الكِبْرُ

 فَهَذَا هُو الفَتْحُ الَّذِيْ بِضِيَائِهِ       تَهَلَّلَ وَجْهُ الدَّهْرِ وَابْتَسَمَ الثَّغْرُ

وَهَذَا هُوَ الفَتْحُ الَّذِيْ جَلَّ قَدْرُهُ    فَلَيْسَ بِمُحْصٍ فَضَلَهُ النَّظَمُ وَالنَّثْرُ

3.الرثاء: وهو ذكر محاسن الميت بعد فقده، حيث يعدِّد الشاعر مآثر المرثي في حياته السَّابقة، وللشاعر ابن غنَّام قصيدة طويلة في رثاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي توفى في العام1206هـ ، يقول في مطلعها:

إلَى اللهِ فِيْ كَشْفِ الشَّدَائِدِ نَفْزَعُ     وَلَيْسَ إلَى غَيْرِ المُهَيْمِنِ مَفْزَعُ

إلى أن يصوِّر ما حلَّ بالنَّاس من خطب لفقد الشيخ، وذلك بكسوف شمس العلم والمعرفة، وانهمار الدماء والدموع على الخدود جزعاً على فراقه، وما أحسَّ به أهل البلاد من كرب وحزن وإظلام لفقده، وقد هوى شهابه ووري في التُّراب:(29)

لَقَدْ كَسَفَتْ شَمْسُ المَعَارِفِ وَالهُدَى   فَسَالَتْ دِمَاءٌ فِي الخُدُوْدِ وَأَدْمِعُ

 إمَامٌ أُصِيْبَ النَّاسُ طرَّا بِفَقْدِهِ       وَطَافَ بِهُمِ خَطْبٌ مِن البَيْنِ مُوْجِعُ

     وَأَظْلَمَ أَرْجَاءُ البِلَادِ لِمُوْتِهِ          وَحَلَّ بِهمْ كَرْبٌ مِن الحَزَنِ مُفْظِعُ

     شِهَابٌ هَوَى مِنْ أُفْقِهِ وَسَمَائِهِ      وَنَجْمٌ ثَوَى فِي التُّرْبِ وَارَاه بَلْقَعُ

كما رثى ابن غنام من استشهد من أصحابه في حرب نجران وبكاهم في شعره، وأظهر حزنه على فراقهم، فهاهو يأمر عينيه أن تجودا بدموعهما حتى تسيل على الخدود، وتسكبان عبراتهما، وتهجران  لذيد النوم لفقد الأصحاب الذين لبُّوا نداء الرَّحمن:(30)

عَيْنُ جُوْدِي بِوَاكِفٍ هَتَّانِ           وَاسْكبِي عَبْرَةً مِن الأَجْفَانِ

وَأَفِيْضِيْ عَلَى الخُدُوْدِ دِمُوْعَاً      تَحْكِي صَوْبَ الغَمَامِ فِي الهَمَلَانِ

    وَاهْجِرِي لَذَّةَ الكَرَى فِي الدَّيَاجِي   قَدْ كَفَى مَا جَرَى مِن الأَحْزَانِ

وَاذْكُرِي مَعْشَراً وَابْكِي مَصَاباً      مَا جَرَى مِثْلُهُ بِمَاضِي الزَّمَانِ

        لَهْفُ نَفْسِي عَلَى فِراقِ صِحَابٍ      قَدْ تَتَالُوا بِطَاعَةِ الدَّيَانِ

4.تصوير المعارك: وهو غرض يأتي في ثنايا القصيدة ويكمِّل بناءها الفنيّ بوصف ما يتعلّق بالغرض الأساسي من القصيدة، ومن ذلك وصف ابن غنَّام لما حلَّ بجيش الأعداء من هزيمة وقتل، وقد دارت عليهم رحى الحرب، فسقتهم كؤوس المنايا الحمر، فنالوا جزاء ما أضمروه من شرٍّ، وقد خذلهم من أغواهم بالحرب، كما أسلمهم المكر للموت، فأصبحت جثث أبطالهم الشجعان طعاماً لأشبال الأسود والذئاب والنمور، كما شبعت من لحومهم النسور والصقور والطيور:(31)

أُدِيْرَتْ عَلَيْهُمْ فِي الشِّبَاكِ رَحَى الرَّدَى    وَدَارَتْ لِلْمَنايَا كُؤُوْسٌ لَهُمْ حُمْرُ

وَحَاقَ بِهمْ مَا أَضْمَرُوا مِنْ طَوِيَّةٍ          وَخَانَهُمْ المُغويُّ وَحَانَهُم المَكْرُ

فَمِنْهُمْ مِئاتٌ بِالصَّبِيْحيَّة اغْتَدَتْ             تُرَاوِحُهَا الأَشْبَالِ وَالذِّيبُ والنَّمْرُ

مَرَابِع فِيهَا لِلطِّيورِ مَراتِعٌ                 وَتَرْقِصُ فِيْهَا النَّسْرُ وَالحَرُّ والصَّقْرُ

إذَا مَرَّهَا المُجْتَازُ يُلْفِي مَوَائداً             وَلَيْسَ بِهَا إلَّا كُمَاةُ العِدا جَزْرُ

5.الهجاء: حيث يذكر ابن غنَّام مثالب الأعداء، وما حلَّ بهم من الذُّلِّ والصغار بهزيمتهم، وذلك على الرغم من كيدهم وكامل عتادهم، فخاب سعيهم ولم يدركوا مناهم، وقد أبيدوا وسيكون الخسران عاقبتهم:(32)

  لَقَدْ أَقْبَلُوا وَالأَرْضَ تَرْجُفُ مِنْهُمُ       وَقَدْ أَدْبَرُوا يَقْفُوهُمْ الذِّلُ وَالصَغْرُ

وَسَارُوا بِأَسْبَابِ المَكَائِدِ وَالرَّدَى        إلَيْنَا فَمَا أَغْنَاهُمْ الكَيْدُ والجَرُّ

وَقَدْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَاحْتَنَكَ الفَضَا      عَلَينَا كَأنَّ الأرضَ مِمَّا بِنَا شِبْرُ

  فَآبُوا وَقَدْ خَابُوا وَمَا أَدْرَكُوا المُنَى       وَبَادُوا وَمَا سَادُوا وَعُقْبَاهُمْ الخَسْرُ

6.الرَّد على أعداء الدَّعوة: حيث قُوبِلت الدَّعوة بالرفض من قِبَل بعض المعاصرين لنشأتها وانتشارها، فحاربوا أتباعها بالسِّلاح، كما حاربوها بسلاح الكلمة، ومن ذلك أنَّ الشاعر ابن فيروز هجا الدعوة وأتباعها بقصيدته التي يقول في مطلعها:

أَنَامِلُ كَفِّ السَّعْدِ قَدْ أَثْبَتَتْ خَطَّا   بِأقْلَامِ أَحْكَامٍ لَنَا حُرِّرَتْ ضَبْطَا

فردَّ عليه ابن غنَّام بقصيدته التي يقول في مطلعها:

عَلَى وَجْهِهَا المَوْسُومِ بِالشُّؤْمِ قَدْ خُطَّا     عَرُوْسُ هَوَى مَمْقُوتَةٌ زَارَتِ الشَّطَا

ثمَّ يستمر في القصيدة إلى أن يبيِّن خيبة مسعى من يصدُّ النَّاس عن دعوة التوحيد، وذلك كابن فيروز الذي من سفاهته يحاول أن يدافع دعوة الحقِّ، ويذود النَّاس عنها، ويدعو إلى نهجه الضَّالِّ جهراً دون مواربة:(33)                                 

 لَقَدَ خَابَ مِنْ مَسْعَى غَدَا طُولَ عَمْرِهِ    يَصِدُّ عَنِ التَّوْحِيدِ مَنْ دَانَ أَوْ شَطَّا

وَلَا كَابْنِ فَيْرُوزٍ يَرومُ سَفَاهَةً            دِفَاعَاً لِحَقٍّ فِي البَريَّةِ قَدْ وطَّا

  وَصَارَ يَذُودُ النَّاسَ عمَّا أتَى بِهِ           أَجَلُّ شَفِيْعٍ فِي الجَزَا لِلِّوى يَعْطَا

   وَيَدْعُو إلَى نَهْجِ الضَّلَالَةِ مُعْلِنَاً            وَمِنْهَاجُ أهْلِ الزَّيْغِ جَهْراً بِهِ أَطَّا

7. الغزل: للشاعر ابن غنَّام قصائد في الغزل، منها قصيدة يشبِّه فيها قطعة

الرمل المستديرة بما يحويه الإزار من جسم محبوبته، كما يشبه لين شجر البان وتثنيه بتعطُّفها وتثِّنيها، كما يشبه إشراق الفجر بجبينها، واحمرار الورد بخدِّها، وسواد الليل بشعرها، والسهام بنظراتها، كلُّ ذلك على طريقة التشبيه المقلوب، وكأنَّ وجه الشبه في صفات محبوبته أقوى من الأشياء التي يشبِّهها بها، وذلك حيث يقول:

هَلِ الدِّعْصُ إلَّا مَا حَواهُ إزَارُها         أوِ البَانُ إلَّا مَا أبَانَ اهتِصَارُهَا

أَوِ الفَجْرُ إلَّا مَا بَدَا مِنْ جَبِيْنِهَا           أَوِ الوَرْدُ إلَّا مَا جَنَاهُ احْمِرَارُهَا

أَوِ اللَّيْلُ إلَّا مِنْ مُعَسْعِسِ شَعْرِهَا         أَوِ الخَمْرُ إلَّا ظَلْمُهَا لَا عُقَارُهَا

 أَوِ السَّهْمُ إلَّا مَا تَرِيْشُ جفونها           أَوِ البِيْضُ إلَّا لَحْظُهَا لَا غَرارُهَا

وقد ذكرت هذه القصيدة في كتاب (تحفة المستفيد تاريخ الأحساء في القديم والجديد)، وكانت في مدح أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد القادر،(34) ولم يذكرها ابن غنَّام  في كتابه (تاريخ ابن غنَّام).

الخصائص الفنيَّة لشعر ابن غنَّام:

         لشعر ابن غنَّام خصائص فنيَّة مستمدَّة من التزامه بتعاليم الدعوة السلفيَّة، وتتضح هذه الخصائص في ثلاثة عناصر هي: مطلع القصيدة، وألفاظ الأغراض الشعريَّة، وختام القصيدة، ليشير كلُّ ذلك في النهاية إلى الأسلوب الفنيِّ الشعريِّ للشاعر ابن غنَّام، وإلى طابعه المميّز، كما سيأتي ذلك بالتفصيل أدناه.

أولاً- المطلع: يلاحظ القارئ خلو قصائد ابن غنَّام- التي وردت في كتابه (تاريخ ابن غنَّام)- من غرضين رئيسيين من أغراض الشعر، ألا وهما الفخر والغزل، فلا وجود لفخر بآباء وأحساب وأنساب في شعره، وربما يعود ذلك إلى التزام الشاعر وتمسُّكه بعقيدة الدعوة السلفيَّة عقب لقائه بالشيخ محمد بن عبد الوهاب وتتلمذه على يديه، كما تخلو قصائده من الغزل بنوعيه: العفيف، والفاحش،وقد تجنَّب النوع الأخير لما فيه من حرمة، وربما تجنَّب النسيب على جوازه احترازاً ومن باب سدِّ الذرائع، واستعاض عن النسيب في مطالع القصائد بطرق فنيَّة خاصَّة وهي: 

1. ذكر انتصار الحقِّ على الباطل: يذكر ابن غنَّام هذا في مطالع قصائد المدح غالباً، ويمهِّد به لذكر انتصار أهل الدعوة على أعدائهم، وذلك كما في هذا المطلع:(35)

كَشَفَ الْحَقُّ ظُلْمَةَ الإِغْلَاسِ       وَمَحَا الدِّيْنُ جُمْلَةَ الْأَرْجَاسِ

وهذا المطلع لقصيدة مدح بها ابن غنَّام عبد العزيز لما دخل الرياض سنة 1187هـ، وذلك عقب فرار عدوّه دهام بن دوَّاس منها خوفاً من لقائه. وهذا أيضاً ما يجده القارئ في مطلع قصيدة مدح فيها الشاعر ابن غنَّام الإمام سعود وأباه عبد العزيز مهنِّئاً لهما بقدوم سعود الحسا بعد مقتل ثويني، ومطلع القصيدة هو:(36)

تَلَأْلَأَ نُوْرُ الحَقِّ وَانْصَدَعَ الفَجْرُ    وَدَيْجُوْرُ لَيْلِ الشِّرْكِ مزَّقَه الظهرُ

ومن ذلك أيضاً مطلع القصيدة التي يهنئ فيها ابن غنَّام سعود بن عبد العزيز

بالحج، وذلك حيث يقول:(37)

غَيَاهِبُ لَيْلَ الشِّرْكِ مَزَّقَهُ الفَجْرُ     فَأَصْبَحَ دِيْنُ الحَقِّ طَالِعَهُ الغَفْرُ

2. الحكمة: يلجأ أحياناً ابن غنَّام إلى افتتاح القصيدة بالحكمة المستمدَّة

من تجربته ومعارفه الدينيَّة، وذلك كما في مطلع القصيدة التي يذكر فيها انتصارهم على عريعر ومن معه:(38)

نُفُوْسُ الوَرَى إلَّا القَلِيْلَ رُكُوْنُهَا    إلَى الغَيِّ لَا يُلَفَى لِدِيْنٍ حَنِيْنُهَا

3. التمهيد للموضوع بذكر الله: يفتتح ابن غنَّام القصيدة أحياناً بذكر الله، ويمهِّد بذلك الافتتاح لموضوعه الرئيسيِّ، وذلك كما في قصيدته التي رثى بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، التي يقول في مطلعها:(39)

إلَى اللهِ فِيْ كَشْفِ الشَّدَائِدِ نَفْزَعُ     وَلَيْسَ إلَى غَيْرِ المُهَيْمِنِ مَفْزَعُ

4. الدخول في الموضوع بلا مقدِّمات: وذلك كما في قصيدته التي ردَّ بها على قصيدة ابن فيروز، التي هجا فيها أهل الدعوة، فردَّ ابن غنَّام عليه بتلك القصيدة التي مطلعها:(40)

عَلَى وَجْهِهَا المَوْسُومِ بِالشُّؤْمِ قَدْ خُطَّا     عَرُوْسُ هَوَى مَمْقُوتَةٌ زَارَتِ الشَّطَا

        يتضح ممَّا سبق ذكره أنَّ الشاعر قد استغنى عن النسيب في شعره، وذلك باستخدام التنويع في مطالع القصائد، فحيناً يفتتح القصيدة بذكر الصراع بين الحقِّ والباطل، وأخرى بالحكمة، وثالثة الافتتاح بذكر الله، بالإضافة إلى الدخول في موضوع القصيدة مباشرة في بعض المرَّات.

ثانياً- مفردات الأغراض الشعريَّة عند ابن غنَّام: يلاحظ القارئ لشعر ابن غنَّام أنَّه يستخدم ألفاظاً محدَّدة في كلِّ غرض من أغراضه الشعريَّة، وهي ألفاظ تتميَّز بمدلولات شرعيَّة تشير إلى التزام ابن غنَّام بتعاليم الدعوة السلفيَّة،

وذلك كما يلي:

1. ألفاظ المدح: يستخدم ابن غنَّام في مدحه ألفاظاً لها علاقة وثيقة بموضوعات الدعوة السلفيَّة، فهو عندما يمدح عبد العزيز بن محمد بن سعود فهو يمدحه بما قدَّمه للدعوة من جهود وتضحيات، فيستخدم ألفاظاً لها علاقة بذلك مثل: المحجَّة، والهدى، ونحو ذلك من الألفاظ:(41)

كَمْ بَدَا مِنْ أَبِيْ سُعُودِ سُعُوْدٌ     وَفِتُوْحٌ وَمَفْخَرٌ لأُنَاسِ

      قَدْ عَلَتْ رُتْبَةُ الشَّرِيْعَةِ لَمَّا         شَادَ أَرْكَانَهَا بِأَقْوَى أَسَاسِ

    وَسَمَا مَنْهَجُ المَحَجَّةِ سَمْكَاً       وَاسْتَبَانَتْ مَعَالِمٌ فِيْ انْدِرَاسِ

  وَتَبَدَّى الهُدَى فَأَضْحَى سَنَاءً      سَاطِعَ النُّوْرِ لَامِعَ النِّبْرَاسِ

2. ألفاظ الهجاء: يستخدم ابن غنَّام ألفاظاً تدلُّ على غي أعدائهم وما فيه من ضلال، فهو يهجوهم مثلاً: بالفسق، والضلال، ويذكِّرهم بأنَّ مصيرهم الخزي والردى في حربهم مع أهل الدعوة:(42)  

   وَآبَتْ جُيُوشُ الفُسْقِ بِالخَزِي وَالرَّدَى    وَلَيْسَ لَهَا إلَّا الشَّنَار رَهِيْنُهَا

أَبَى اللهُ أنْ تَعْلَوَ عَلَى الدِّيْنِ رَايَةٌ         فَتَرْبُو ضَلَالَاتٌ وَيَسْمُو مُهِيْنُهَا

  وَأنْ يَطَأَ الفُسَّاقُ فِي ذَلِكَ الحِمَى         وَيُهْتَكُ مِنْ تِلْكَ العَوَالِي حَصِيْنُهَا

وأحياناً يستخدم ألفاظاً من قبيل: الفساد، والابتداع، والفتنة، والبغي،

والفجور، وذلك في هجائه لأعداء الدعوة، ومن ذلك قوله:(43)

جُنُوْدُ فَسَادٍ وَابْتِدَاعٍ وَفِتْنَةٍ             يَقُوْدُهُم الإِضْلالُ وَالبَغْي وَالفَجْرُ

3. ألفاظ الرثاء: يرثي ابن غنَّام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فيقول(44):

وَشَمَّرَ فِي مِنْهَاجِ سُنَّةِ أَحْمَدَ   يشِيْدُ ويُحْيِي مَا تَعَفَّى وَيَرْقَعُ

       وَيَنْفِي الأَعَادَيَ عَنْ حِمَاهِ وَسُوْحِهِ   وَيَدْمَغُ أرْبَابَ الضَّلالِ وَيَدْفَعُ

    يُنَاظِرُ باِلآيَاتِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي       أَمَرَنَا إلَيْهَا فِي التَّناَزِعِ نَرْجِعُ

  يلاحظ في الأبيات السابقة أن المآثر التي ذُكِرتْ للمرثي فيها تتعلَّق بما قدمه المرثي لهذه الدعوة من جهود صادقة، لذلك احتوت على ألفاظ تعبِّر عن ذلك الغرض، وذلك نحو: سنَّة أحمد، دمغ أرباب الضلال، ومناظرتهم بالكتاب والسنَّة.

4. ألفاظ الرَّد على الخصوم: يستخدم ابن غنَّام ألفاظاً ذات مدلولات شرعيَّة في ردِّه على أعدائه، وذلك مثل: الزور، والمنكر، والفحش، والبهتان، وذلك كما في قوله(45):

وَقَدْ جَاءَ مُنْشِيْهَا بِزُوْرٍ وَمُنْكَرٍ    وَفُحْشٍ وَبُهْتَانٍ يَعَطُّ بِهِ عَطَّا

 وَحَانَ بِهِ دَاعِي العِنَادِ لِمَهْيَعٍ     تَنَكَّبَ عَنْ سُبُلِ الهِدَايَةِ وَاشْتَطَّا

   فَضَلَّ عَنِ الإِرْشاَدِ لِلحَقِّ وَاعْتَدَى    وَغَطَّ أناساً فِي طَرِيْقَتِهِ غَطَّا

   وَجَاوَزَ مِنْهَاجَ الهِدَايَةِ رَاضِياً    عَنِ الدِّيْنِ بِالدُّنْيَا  فَمَا نَالَهَا بَسْطَا

        يتضح ممَّا سبق أنَّ الأغراض الشعريَّة عند الشاعر ابن غنَّام يتحكَّم فيها التزامه بالدعوة السلفيَّة، فالمدح لمن نصر الدعوة وأعلى رايتها، والرثاء لمن

مات من أهلها، والهجاء والردّ على خصومها، ثمَّ يتحكم الالتزام الدينيُّ للشاعر في استخدام ألفاظ معيَّنة في كلِّ غرض من تلك الأغراض.

ثالثاً- الختام: يظهر أثر الالتزام الدينيُّ في قصائد ابن غنَّام، ويتجلَّى في

خواتيمها،  حيث يحرص ابن غنَّام على أن يكون ختام قصائده بأحد أمرين: أحدهما: الصلاة والسلام على النبي- صلى الله عليه وسلَّم- وعلى آله وصحبه- رضي الله عنهم- وذلك كما في هذا الختام للقصيدة التي ردَّ فيها على ابن فيروز(46):

  وَأَزْكَى صَلَاةً يَفْضَحُ المِسْكُ عَرْفَهَا    تَعِمُّ رَسُولاً فِي الوُرُودِ لَنَا فَرْطَا

 كَذا الآلُ والأَصْحاَبُ مَا خَطَّ كَاتِبٌ     وَنمَّقَ فِي مَرْسُوْمِهِ الشَّكْلَ وَالنَّقْطَا

وكذلك قوله في ختام قصيدة أخرى(47):

وَأَزْكَى صَلَاةً يَبْهَرُ البَدْرَ حُسْنُهَا     عَلَى خِيْرِ مَبْعُوْثٍ بِهِ رُفِعَ الإصْرُ

كَذا الآلُ والأَصْحاَبُ مَا جَادِتِ الصِّبَا   عَلَى الروض مطولاً فَعِطْرُهَا الزَّهْرُ

والآخر: الدعاء الحسن لمن قِيْلَت القصيدة في حقَّه، حيث يختتم القصيدة بالدعاء للممدوح إذا كان غرض القصيدة مدحاً للمدوح:(48)

وَلَا بَرِحَ المَوْلَى مُعِزَّاً وَنَاصِراً     سُعودَ الَّذِي يَهْوَى العُلَا وَيَزِيْنُهَا

وكذلك في ختام هذه القصيدة التي يقول فيها أيضاً:(49)

وَأَدَامَ اللهُ نَصْرَ سُعودٍ      نَاصِرِ الدِّيْنِ لَا بني العَبَّاسِ

ومن ذلك أيضاً الدعوة الدعاء للشيخ محمد بن عبد الوهاب حيث يقول:(50)

جَزَا اللهُ هَذا الشَّيْخَ أَفْضَلَ مَا جَزَا     إمَامَاً أقامَ الدِّينِ وَانْجَبَرَ الكَسْرُ

كما يدعو ابن غنَّام  للمرثي إذا كان غرض القصيدة رثاء، وذلك كما في

دعائه للشيخ محمد بن عبد الوهاب في ختام القصيدة التي يرثيه فيها:(51)

سَقَى قَبْرَهُ مِنْ هَاطِلِ العَفْوِ دِيْمَةٌ     وَبَاكَرَهُ سُحُبٌ مِنِ البِرِّ هُمَّعُ

وَأَسْكَنَهُ بَحْبُوْحَةَ الفَوزِ وَالرِّضَا     وَلَا زَالَ بِالرَّضْوانِ فِيْهَا يُمَتَّعُ

       يتضح ممَّا سبق ذكره أنَّ ابن غنَّام ينوِّع في ختام قصائده بأحد أمرين: أحدهما: الصلاة على النبي- صلَّى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه -رضي الله عنهم وأرضاهم- والآخر الدُّعاء لمن قيلت القصيدة في حقِّه.

التزام الشاعر بقضايا الدَّعوة:

       درس الشاعر ابن غنَّام على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما درس على يد غيره من أبناء الشيخ وتلاميذه، وتأثر بالدعوة السلفيَّة، واستقرَّت في قلبه، وكان من أشدَّ الناس دفاعاً عنها،(52) وقد ظهر أثر ذلك في شعره من خلال طرح قضايا الدعوة السلفيَّة في شعره، ومناقشتها، والتدليل على صحَّتها، وأحقيَّتها بالاتباع، وهذه طائفة من تلك القضايا التي وردت في شعره:

أولاً- قضيَّة التوحيد: تشغل قضيَّة التوحيد وما يتفرَّع منها حيزاً كبيراً من شعر ابن غنَّام، فلا تخلو قصيدة من قصائده من ذكر التوحيد وذمِّ الشرك

بالله، ويتَّضح ذلك من خلال النقاط المعضَّدة بالأمثلة الشعريَّة كما يلي:

1. الدعوة إلى الاستعانة بالله وحده: حيث يدعو ابن غنَّام في شعره إلى ذلك، ويذمُّ من يستعين بغير الله، ويشنِّع عليه ذلك، ويعدُّ ذلك منه مغالبة لأمر الله، والحقُّ أن يدعو الرحمن الخالق لتفريج كربه، ولا يطلب الغوث

والنصر من المخلوق:(53)

يَغَالِبُ أَمْرَ اللهِ وَاللهُ غَالِبٌ      وَيَنْدَبُ مَنْ لَا يَمْلِكُ الرَّفْعَ وَالحَطَّا

  وَيَرْجُو مِنِ المَخْلُوقِ غَوْثَاً وَنُصْرَةً    يُنَادِيهُ مِنْ بُعْدٍ أَغِثْنَا بِلَا إْبْطَا

     لَئِنْ كَانَ يَرْجُوهُ لِتَفْرِيْجِ كُرْبَةٍ     فَلَيْسَ سِوَى الرَّحمَن نَدْعُو بِلا اسْتِبْطَا

2. التحذير من صرف العبادة لغير الله: والتذكير بالوعيد الشديد بالإحراق في النَّار لمن يدعو غير الله، أو يستعين أو يستغيث بغيره، أو يذبح لغيره، أو يتوجَّه بالنذر لغيره:(54)

   وَمَنْ يَسْتَغِثْ بِالخَلْقْ أَوْ يَستعن بهم    فقد مسَّه مِنْ فِعْلِهِ ذَلِكَ الضُّرُّ

         وَأَخْبَرَ أنَّ الذَّبْحَ للهِ وَحْدِهِ        لأنَّ صَلاةَ العَبْدِ قَارَنَهَا النَّحْرُ

       كذاك متاب العبد ثم خضوعه    وبعدها التعظيم لله والنذر

3. الثبات على عقيدة التوحيد: يطلب ابن غنَّام من الموحِّد الثبات على عقيدة التوحيد، وأن يسأل الله التثبيت عليها، وأن يصبر على ما يصيبه في سبيلها، وسيكون عاقبة صبره عليها خيراً، وذلك حيث يقول:(55)

 فَسَلْ رَبَّكَ التَّثْبِيْتَ أي مُوحِّدٍ  فَأنْتَ عَلَى السَّمْحَاءِ بَادٍ يَقِيْنُهَا

        وَغَيْرُكَ فِي بِيْدِ الضَّلَالَةِ سَائِرٌ   وَلَيْسَ لَهُ إلاّ القُبُوْرِ يَدِيْنُهَا

         وَأنْتَ بِمِنْهَاجِ الشَّرِيْعَةِ سَالِكٌ    وَسُنَّةُ خَيْرِ المُرْسَليِنَ تَبِيْنُهَا

    فَكُنْ صَابِرَاً إنْ حَلَّ أوْ جَلَّ حَادِثٌ فَعَاقِبَةُ الصَّبْرِ الفَتَى يَسْتَزِيْنُهَا

4.المشرك عدو الله وحليف للشيطان: يؤكِّد ابن غنَّام هذا المقصد في شعره، فيذكر أنَّ الله بالمرصاد للمشرك، الذي يريد أن يؤسِّس بنيانه على

الشرك، وأنَّه يقيض شيطاناً لكلِّ من أعشي عن ذكره، فيطوِّقه بأنشوطته، فيخيَّب مسعاه وقد غدا عدواً لله، يصدُّ الناس عن سبيله:(56)

    وَرَبُّكَ بِالْمِرْصَادِ مِمَّنْ يَرِيْدُ أنَ     يُؤَسِسَ رُكْنَ الشِّرْكِ مِنْ بَعْدِ أنْ حُطَّا

فَلا عَجَبٌ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكِرِ رَبِّه   يُقِيْض لَهُ الشَّيْطانَ يَنْشِطَهُ نَشْطَا

لَقَدَ خَابَ مِنْ مَسْعَى غَدَا طُولَ عَمْرِهِ    يَصِدُّ عَنِ التَّوْحِيدِ مَنْ دَانَ أَوْ شَطَّا

5. الله ناصر أهل التوحيد على أهل الشرك: يذكر ابن غنَّام أنَّ الله لن ينصر المشركين على المؤمنين، ويأبى أن يعلو الضلال على الهدى، كما يأبى أن يطمس الكفَّار أعلام الحنيفيَّة، وأن تعلو الطواغيت والبغاة على أهل الشرع وأتباع الذكر، لذلك سيُهزَم الشرك ويتهدَّم عرشه عندما يُسلُّ حسام التوحيد، فتصبح ربوع الشرك جرداء خالية من قاطنيها:(57)  

أبَى اللهُ أن يَسْمُو الضَّلالُ عَلَى الهُدَى   وَيَطْمِسُ أَعْلَامَ الحَنِيْفِيَّةِ الكُفْرُ

وَتَعْلَى البَواغِي وَالطَّواغِي وَحِزْبُهَا      عَلَى عِصْبَةٍ فِي الدِّيْنِ شَرْعُهُم الذِّكْرُ   وَيَنْسَخُ آيَاتِ الكتَابِ وَحُكْمَهُ          لُحُونَ الغَنَا والعُودُ وَالطَّبْلُ والزَّمْرُ

لَقَدْ فُلَّ عَضْبُ الشِّرْكِ بَلْ ثُلَّ عَرْشُه     وسُلَّ حِسَامُ الدِّينِ وَانْدَرَسَ الشَّرُّ

 وَحَالَتْ مَغَانِيهُ وَأَثْوَتْ رُبُوعُهُ           وَزَالَتْ مَبَانِيْهُ فَسَاحَاتُهُ صُفْرُ

ويؤكِّد ابن غنَّام ذلك في شعره في أكثر من موضع، حيث يذكر أنَّ الله يأبى أن تعلو راية الشرك على راية التوحيد، وأن يرتفع ذكر من يهين دعوته، ولن يطأ الفسَّاق أرض الحقِّ وستظل أرض أهل الحقِّ شامخة سامية مناراتها، زاهية المحيَّا، صافية المعين:(58)

  أَبَى اللهُ أنْ تَعْلَوَ عَلَى الدِّيْنِ رَايَةٌ         فَتَرْبُو ضَلَالَاتٌ وَيَسْمُو مُهِيْنُهَا

  وَأنْ يَطَأَ الفُسَّاقُ فِي ذَلِكَ الحِمَى         وَيُهْتَكُ مِنْ تِلْكَ العَوَالِي حَصِيْنُهَا

    فَلا زَالَتِ البَيْضَاءُ يَسْمُو مَنارُهَا    وَيَزْهُو مَحيَّاهَا وَيَصْفُو مَعِيْنُهَا

6. عاقبة كلٍّ من الموحِّد والمشرك يوم القيامة: وقد ذكر ابن غنَّام ذلك في شعره، فمصير الموحِّد يوم القيامة العفو والغفران، والتخليد في الجنَّة، والتنعُّم بنعيمها من تعطُّر بمسك وكافور، ولباس سندس خضر، وشرب لبن خالص وخمر لها لذَّة وليس لها ضرٌ، كلُّ ذلك قد أعدَّه الله لمن يلقاه مؤمناً لا يشرك به غيره:(59)

     لَنَا فَتَحَ الرَّحمنُ أبْوابَ عَفْوَهُ    فَقَالَ: ادْخِلُوا فِيهَا وَمِنْ غَيْرِهَا فرِّو

 فَإنِّي لِمَنْ وَافَى القِيَامَةَ تَائبَاً     مِنِ الشِّركِ غَفَّارٌ وَصُولٌ بِهِ بِرُّ

        لَهُ عِنْدَنَا فِي جَنَّةِ الخُلْدِ مَنْزِلٌ    بِهِ المِسْكُ وَالكَافُورُ والسُّنْدسُ الخُضْرُ

  بِهِ العَسَلُ الصَّافِي وَمَا غَيْرُ آسِنٍ   وَخَالِصُ ألبَانٍ وَقَهْوَتُهُ الخَمْرُ

مُعَّدٌ لِمَنْ لَاقَى الإلَهَ مُوحِّداً        بِقَلْبٍ سَليْمٍ مُخْلِصٌ مَا بِهِ شَرُّ

أمَّا من يلقاه مشركاً يحلف بغير الله، أو كافراً به فمصيره النَّار، يُعذَّب فيها:(60)

     وَمَنْ لَاقَى يُجْزَى سِوَى سَقْرَ بِهَا   تفُورُ عَلَيْهِ النَّارُ وَالحَرُّ وَالقَبْرُ

     يُعَذَّبُ حِيْناً فِي الجَحِيْمِ وَمَرة ً     يُرَدُّ إلَى مَا مِنْهُ يَسْتَوْحَشُ القَعْرُ

     فَهَذا جَزا مَنْ مَاتَ بِاللهِ مُشْرِكَاً        مُصِرَّاً عَلَى الحَلْفِ أَوْ فِيْ قَلْبِهِ كُفْرُ

ثانياً- قضيَّة التكفير: تنال هذه القضيَّة اهتماماً كبيراً من علماء الدعوة السلفيَّة ودعاتها، حتى أشاع عنهم أعداؤهم أنَّهم يكفرون المسلمين

وقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رداً على مثل تلك الاتهامات: "أنا من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير أو تبديع أو تفسيق أو معصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى وعاصياً."،(61) لذلك يردُّ ابن غنَّام على ابن فيروز الذي كفَّر محمد بن عبد الوهاب وأتباعه لتكفيرهم المسلمين بزعمه، فيستنكر ابن غنَّام أن يكفَّر قوم يتمسكون بالكتاب والسنَّة، فقط لأنَّهم كفَّروا أهل الشرك خاصَّة ولم يعمِّموا الكفر على الجميع، وينفي أن يكون في القرآن ما يدلُّ على عدم تكفير الروافض، وهم الذين خرجوا عن الدين وكفروا الصحابة رضوان الله عليهم، يقول ابن غنَّام مدافعاً:(62)

يُكَفَّرُ قَوْمٌ بِالكِتاَبِ تَمَسَّكُوا     وَباِلهُدَي وَالإجْمَاعِ مَا خَالَفُوا شَرْطَا

    وَمَا عَمَّموا باِلكُفْرِ بَلْ خَصَّصُوا بِهِ   أناسًا مِنِ الإِشْرَاكِ أَعْمَالُهُمْ حَبْطَا

   أَفِيْ مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ تَكْفِيرُ مَنْ دَعَا    إلَى اللهِ وَالتَّقْوَى وَإسْلامُ مَنْ شَطَّا؟

  أَأَهْلُ الهَوَى وَالزَّيْغُ واَلفِرَقُ الَّتِي    تُحَرِّفَ وَحْيَ اللهِ حَازُوا الهَوَى خَرْطَا؟

وَهَلْ جَاءَ فِي التَّنْزِيلِ وَالوَحْي شَاهِدٌ    بِتَحْقِيقِ إسْلامِ الرَّوافِضِ قَدْ خُطَّا؟

ثالثاً- قضيَّة البناء على القبور: كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب حريصاً على هدم القباب والأضرحة لما فيها من ابتداع ومخالفة لنهج النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن ذلك قيامه بهدم قبة زيد بن الخطاب- رضي الله عنه- في بلدة الجبيلة،(63)وقد ذكر ابن غنَّام تلك القضية في شعره، فمن ذلك تذكيره بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبر، وكذلك تحريم إسراجها والرقص والسمر فيها:(64)

أَلَمْ تَعْلَمُوا نَهْيَ الرَّسُولِ عَنِ البِنَا     عَلَى القَبْرِ إلَّا أنَّه اغْتُفِرَ الشِّبْرُ

     وإنَّ اتِّخاذَ السُّرْجِ فِيْهَا مُحَرَّمٌ        كَمَا يُحْرَمُ التَّقْصِيْرُ وَالرَّقْصُ وَالَّسْمرُ

كما ذكر ابن غنَّام هدم القباب من قِبَل أهل الدعوة السلفيَّة في عصره، وذلك حيث يقول:(65)

     نَعَمْ هُدِّمَتْ لِلرَّفْضِ فِيْهِ كَنَائِسُ     وَكُلُّ شَعارِ الشِّرْكِ عَنْ أَرْضِهَا مِيْطَا

وَمَا كَانَ مِنْ جُوْرٍ وَمَكْسٍ وَبِدْعَةٍ   وَلَهْو وَتَابُوْتَ لِكُلِّ الدُّعَا مُعْطَا

رابعاً- قضيَّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: تعد هذه القضيَّة من القضايا المهمَّة في الدعوة السلفيَّة، وقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب حريصاً على ذلك حيثما كان، حتى إنَّه تعرّض لمحاولة اغتيال بسببها في بلدة حريملاء في أوَّل عهده بالدعوة، وذلك بسبب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر،(66) وقد ذُكِرتْ قضيَّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

في شعر ابن غنَّام، ومن ذلك ما جاء في معرض ردِّه على ابن فيروز، فبيَّن له أنَّ أهل الدعوة السلفيَّة  لن يُرى في أرضهم غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشديد النكير على مقارف الذنب الموجب للسخط، وكذلك حثُّ الناس على أداء الصلاة في جماعة، وزجر من تخلَّف عن أدائها في الجماعة:(67)

     وَأَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَتَنْكِيْرُ مُنْكَرٍ    وتَنْكِيرٌ  مَنْ قَدْ قَارَفَ الذَّنْبَ وَالسَّخْطَا

      وَحَثَّاً عَلَى فِعْلِ الصَّلاةِ جَمَاعَةً   وَتَوْبِيْخٌ مَنْ عَنْهَا تَخلَّفَ أَوْ أَبْطَا

خامساً- قضيَّة النصح في الدين: قد روي عن النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- قوله: ((الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).(68)وقد امتثل ابن غنَّام لهذا الحديث في شعره، حيث كان حريصاً على النصح للأئمة، ومن ذلك نصحه لعبد العزيز بمراعاة الحقِّ في سوس الرعيَّة، والعدل بينهم، والإحسان إليهم، والعفو عنهم، والحذر من السمع لقول الوشاة، واستشارة المجربين الثقات في شؤون الحكم، وذلك كما في قوله:(69)

بِكَ الدِّيْنُ يَا عَبْدَ العَزِيْز ِمُؤَيَّدٌ     يَعَزِّزَهُ بِالبِيْضِ أَبْنَاؤُكَ الغُرُّ

فَرَاعِ جَنَابَ الحَقِّ فِي الخَلْقِ وَارْعَهُمْ   بِعَدْلٍ وَإحْسَانٍ لِكَي يَعْظَمَ الأجْرُ

وَأحْسِنْ إلَيْهم وَاعْفُ عَنْهُم وَلا تُطِعْ    بِهُمْ قَوْلَ وَاشٍ جُلُّ مَقْصُودُه التِّبْرُ

يُسَارِعُ في سُخْطِ الإلَه تَقَرُّباً         إلَيكَ لِكَي يَدْنُو فَيَنْمُو لَهُ الوَفْرُ

وَلَا تَصْطَفِي لِلنُّصْحِ إلَا مجُرِّباً      تقيَّاً نقيَّاً لَيْسَ فِي قَلْبِه وَحْرُ

       يتضح ممَّا سبق ذكره أنَّ ابن غنَّام ملتزم بتعاليم الدَّعوة السلفيَّة، وقد ظهر أثر ذلك في شعره، حيث يناقش فيه قضايا الدَّعوة مثل: التوحيد، والتكفير، وبناء القبور وإسراجها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لأئمَّة المسلمين وعامَّتهم، وقد تناول تلك القضايا في شعره في ثنايا الأغراض الشعريَّة دون أن يخصِّص لها قصائد خاصَّة لمناقشتها.

أثر الالتزام في شعر ابن غنَّام:

       كان لالتزام الشاعر حسين بن غنَّام بتعاليم الدعوة السلفيَّة ودفاعه عنها –أثر واضح في شعره، وذلك على النحو التالي:

1. تقليص الأغراض الشعريَّة: سبق ذكر تخلُّص ابن غنَّام من غرضين رئيسيين من أغراض الشعر ألا وهما الفخر والغزل بعد تشرُّبه بتعاليم الدعوة السلفيَّة واعتناقها، وكذلك تخلَّص من ذكر الخمر في شعره تحت تأثير الدعوة نفسها، ومن ذكره للخمر في سابق حياته قوله في ثنايا قصيدة يهنئ بها أحمد بن رزق بمناسبة زواجه في سنة 1189هـ:(70)

   أَدِرْ كُؤوسَاً مِنْ سُلَافِ المُدَامِ    وَلَا تُكَدِّرْهَا بِفَرْطِ المَلَامْ

        فَقَدْ أَتَى القَصْدُ وَحقَّ المُنَى      وَالدَّهْرُ قَدْ زَانَ وَحَانَ المَرَامْ

        وَالوَقْتُ صَافٍ وَالصَّفَا بَرْدُه    ضَافٍ وَقَدْ عَاجَ وَمَاجَ الغَرَامْ

وَطَابَتِ النَّفْسُ وَرَقَّ الهَوَى     وَقَرَّ بِالعَيْنِ لَذِيْذُ المَنَامْ

الأبيات السابقة فيها ذكر للخمر، ومجاهرة بشربها، وهذا أمر غير مسموح به في دولة الدعوة السلفيَّة، ولا يمكن أن يصرَّح به أحد من أتباعها في حديثه

الشخصيِّ فضلاً عن ذكرها في الشعر، وله ما له من تأثير على النفوس، لكلِّ ذلك لم يعد للخمر ذكر في شعر ابن غنَّام عقب قبوله دعوة التوحيد وانخراطه في الدِّفاع عنها، هذا فضلاً عن انشغاله بمعالجة موضوعات الدعوة وقضاياها في شعره ونثره، الأمر الذي يجعل من الغزل والفخر وذكر الخمر آخر ما يمكن أن يفكِّر في تناوله في شعره حينذاك.

2. الصدق في التعبير: اتسم شعر ابن غنَّام بالصدق في التعبير، فلم يكن يجمِّل الحقائق أو يزيّنها، بل يعرض الأمر كما هو على حقيقته، وخاصَّة فيما يتعلَّق بتصوير المعارك بين أهل الدعوة وخصومهم، فقد كان ينقل وصف الأحداث كما هي، وما يؤكِّد ذلك قوله في وصف إحدى المعارك، وما أحسُّوا به من خوف ورهبة من كثرة جيش العدو وقوَّته:(71)

وَقَدْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَاحْتَنَكَ الفَضَا      عَلَينَا كَأنَّ الأرضَ مِمَّا بِنَا شِبْرُ

ثم يؤكِّد هذا في موضع آخر من القصيدة نفسها، فيذكر جزعهم من جيش العدو، وأنَّ الله نصرهم عليهم لمَّا صبروا على لقائهم:(72)

رَأَى جَزَعَاً مِنَّا فَأبْدَى انْتِقَامَهُ      وَذَكَّرَنَا لِلْوَعْدِ إِذْ جَاءَناَ الصَّبْرُ

ويقول أيضاً في قصيدة أخرى أنَّ هول جيش العدو يُذهِب الألباب، ويسقط الجنين من بطن أمِّه فزعاً:(73)

وَأَبْدُوا أُمُورًا يَذْهَبُ اللبُّ عِنْدَهَا       وَيُسْقِطُ مِنْ بَطْنِ الرِّدَاحُ جَنِيْنُهَا

ويؤكِّد هذا المعنى في موضع آخر من القصيدة نفسها:(74)

   لَقَدْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ سَاعَةَ أقبلتْ       بَنُو خَالِدٍ أَظْعَانُهَا وَظَعِيْنُهَا

وَلَكِنَّ مَوْلَى النَّصْرِ ثَبَّتَ أَهْلَهَا          كَمَا هُوَ فِي دَفْعِ الأَعَادِي يُعِيْنُهَا

         توضِّح الأمثلة السابقة أن ابن غنَّام كان صادقاً في تصوير ما يحسُّ به جنود الدعوة عند ملاقاة بعض الجيوش القويَّة لأعدائهم، ولكن في النهاية ينتصرون عليهم بالصبر والرجوع إلى الله في الشدائد، وهذا الصدق في التصوير يرجع إلى التزام الشاعر بمبادئ الدعوة وأخلاقها.

3. غلبة الأسلوب التقريريِّ في شعره: يُولِي ابن غنَّام عنايته بموضوعاته الشعريَّة في إطار قاموس محدَّد يرتبط بمفاهيم الدعوة وموضوعاتها وقضاياها، وهذا يعني أنَّه يخضع الشعر لميزان الشرع والعقل(كلُّ الأمثلة التي سبق ذكرها تؤكِّد ذلك)، ويكون ذلك خصماً على حساب الجانب الخياليِّ والوجدانيِّ للشعر، ولكن هذا لا يعني خلو شعره من الخيال والجوانب البلاغيَّة، ومن ذلك استخدامه التشبيه البليغ، وذلك في قوله:(75)

وَأَصْلُ الوَغَى التَّدْبِيْرُ وَالرَّأْيُ سَاقُهَا      وَأَغْصَانُهَا صَبْرٌ وَأثْمَارُهَا نَصْرُ

والاستعارة المكنيَّة  في قوله (يهشُّ لها الصخر) من البيت أدناه:(76)

وَغَنَّتْ بِرَوْضَاتِ السِّرُورِ بَلابِلٌ           يُرَجِّعْنَ ألحاناً يَهِشُّ لَهَا الصَّخْرُ

وكذلك استخدامه الكناية عن صفة الفزع في قوله (يسقط من بطن الرداح جنينها) من البيت أدناه:(77)

وَأَبْدُوا أُمُورًا يَذْهَبُ اللبُّ عِنْدَهَا       وَيُسْقِطُ مِنْ بَطْنِ الرِّدَاحُ جَنِيْنُهَا

والمجاز المرسل في قوله (رأس العدا) من البيت أدناه:(78)

وَأَعْلَنَ بِالإسْلاَمِ وَالدَّعْوَةِ الَّتِي       لَهَا كَشَطَ المُخْتَارُ رَأْسَ العِدَا كَشْطَا

كما نوَّع  بين الأسلوبين الإنشائيِّ والخبريِّ  في شعره باستخداماتهما المختلفة، وتفنَّن في استخدام الأمر لغرض بلاغيٍّ يفهم من السياق غير غرضه الأصلي، وذلك كما في قوله (دُمْ شارباً)، من البيت أدناه:(79)

ودُمْ شِارِباً كَأسَ المَسَرَّةِ وَالهَنَا         بِأَطْيَبَ عَيْشٍ وَالعِدَا تَأْكُلُ الخَمْطَا

في البيت أعلاه خرج الأمر عن غرضه الأصليِّ إلى غرض آخر هو الدعاء، فهو يدعو لممدوحه بدوام الهناء، كما استخدم الجملة الخبريَّة(والعدا تأكل الخمطا) لغرض إنشائيٍّ وهو الدعاء، فهو لا يخبر عن (أكل العدا شجر الخمط)، وإنَّما يدعو عليهم بأن يكون أكلهم كذلك، وذلك بدليل من السياق وهو الدعاء للمدوح بدوام الهناء في صدر البيت، الذي يناسبه الدعاء على أعدائه بعدم الهناء والمعيشة القاسية في عجز البيت.

واستخدامه الذكر في قوله (هنيئًا لك الفتح) للتأكيد على التهنئة وأهميَّة الفتح،  وذلك في  البيتين أدناه:(80)

هَنِيْئًا لَكَ الفَتْحُ الَّذِيْ فُتِحَتْ لَهُ السَّـ ـمَواتُ وَالفِرْدَوْسُ وَافْتَخَرَتْ هَجْرُ

هَنِيْئًا لَكَ الفَتْحُ الَّذِيْ طَأْطَأَتْ لَهُ   جِبَاهُ المُلُوْكِ الصِّيْدِ وَاتَّضَعَ الكِبْرُ

  يلاحظ في البيتين أعلاه أن الذكر في قوله (هنيئًا لك الفتح) تأتي بعده الصفة التي جعلته مستحقَّاً للتهنئة عليه، فصفة الفتح في البيت الأول (تفتُّح أبواب السماوات له، وافتخار أرض هجر به)، وصفته في البيت الثاني(طأطأة

جباه الملوك له، وتذلل وخشوع المتكبرين من أعدائه)، ويكون التكرار في التهنئة مقبولاً في هذا السياق، سياق تعدُّد الصفات التي يستحق بها الفتح التهنئة به. واستخدم ابن غنَّام أسلوب القصر، وذلك كما في  قوله:(81)

وَمَا أَنْتَ إلَّا مُسْعِرُ الحَرْبِ إنْ خَبَتْ        وَخَوَّاضُ حَامِيْهَا إذَا حَمِيَ الدَّسْرُ

كما استخدم ابن غنَّام بعض الألوان البلاغيَّة في شعره، ومن ذلك استخدامه الجناس في قوله (كادت، وقادت، وبادت، وفادت) من البيت أدناه:(82)

وَكَمْ دَوْلَةٍ كَادَتْ وَقَادَتْ جمُوْعَهَا    فَبَادَتْ وَمَا فَادَتْ وَمَا أَدْرَكَتْ مَسْطَا

واستخدامه المقابلة  في قوله (أبصاركم عمي، وفي سمعكم وقر) من البيت أدناه:(83)

أَفِيْقُوا فَأنْتُمْ فِي دُجَى غَمْرَةِ الرَّدَى      وَأبْصَارَكُمْ عُمْيٌ وَفِي سَمْعِكُمْ وَقْرُ

 

الخاتمة:

        بفضل من الله وتوفيقه وصلت الدراسة إلى الخاتمة، التي تحتوي على النتائج المهمَّة التي تمَّ التوصُّل إليها، والنتائج هي:

1. يمثِّل الأدب السلفيُّ في الدولة السعوديَّة الأولى مرآة صادقة تعكس صورة العصر، وما شاع فيه من بدع وشرك تصدَّت له الدعوة السلفيَّة بكلِّ حزم وقوَّة، وهو أدب أسهم فيه عدَّة شعراء من نجد وخارجها.

2. كما يُعَدُّ الشاعر حسين بن أبي بكر ابن غنَّام نموذجاً معبِّراً عن شعر الدعوة السلفيَّة، الذي تنوَّعت أغراضه الشعريَّة بين المدح، والتهنئة، والرثاء، والهجاء، وتصوير المعارك، والردِّ على خصوم الدعوة.

3. تميُّز شعر ابن غنَّام بخصائص فنيَّة تمثَّلت في: ترك النسيب في مطلع القصيدة، والاستعاضة عنه بطرق فنيَّة أخرى كافتتاح القصيدة بذكر انتصار الحقِّ على الباطل، أو بالحكمة المستخلصة من تجاربه وخلفيته الدينيَّة، أو بالتمهيد للموضوع بذكر الله، أو الدخول في الموضوع مباشرة، ومن خصائصه الفنيَّة كذلك استخدامه ألفاظاً ذات مدلولات شرعيَّة تتعلَّق بالدعوة، وذلك في جميع أغراضه الشعريَّة، فيمدح بما قدَّمه الممدوح للدعوة من جهود وتضحيات، فيستخدم ألفاظاً لها علاقة بذلك مثل: المحجَّة، والهدى، وكذلك في الرثاء  فيذكر مآثر المرثي التي لها علاقة بالدعوة نحو نصرة سنَّة أحمد، ودمغ أرباب الضلال، ومناظرتهم بالكتاب والسنَّة، ويهجو بألفاظ محدَّدة كالضلال، والفسق، والفجور، والبدع، والشرك، ويردُّ على الخصوم بألفاظ نحو الزور، والمنكر، والفحش، والبهتان، هذا بالإضافة إلى خاصيَّة فنيَّة أخرى  تتمثَّل في ختام القصيدة بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم، أو بالدعاء لمن قيلت في حقِّه القصيدة إذا كان غرض القصيدة مدحاً أو رثاء.    

4. التزام الشاعر ابن غنَّام بموضوعات الدعوة وقضاياها، وجاءت تلك الموضوعات والقضايا في جميع قصائده، ومنها: قضيَّة التوحيد ومحاربة الشرك، وقضيَّة التكفير، وقضيَّة البناء على القبور، وقضيَّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقضيَّة النصح في الدين لأئمة المسلمين.

5. كان لالتزام الشاعر بالدعوة السلفيَّة أثر كبير في شعره، حيث ترك الشاعر الفخر، والغزل، وذكر الخمر، وقد رُوِيت له قصائد في الغزل والخمر قبل اعتناقه الدعوة، وكذلك من أثر الدعوة على شعره الصدق في التعبير، فلم ينكر ما كان يُحسُّ به جنود الدعوة من رهبة لمظاهر جيش العدو في المعارك، وذلك من  حيث قوَّة تسليحه وإعداده. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) طه حسين، "الحياة الأدبية في جزيرة العرب"، (ط: 1، دمشق، مكتبة النشر العربي، 1935م)، ص: (23- 26).

(2) شوقي ضيف، "تاريخ الأدب العربيِّ(عصر الدُّول والإمارات)"، (ط: 2، القاهرة،

دار المعارف، (بدون تاريخ))، ص: (183- 184).

(3) محمد بن إسماعيل الأمير الحسيني الصنعاني، "ديوانه"، تقديم: علي السيد صبح المدني،(ط: 1، القاهرة، مطبعة المدني، 1964م)، ص: 130.

(4) المرجع السابق، ص: 130.

 (5) علي علي مصطفى صبح، "المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية"، (ط: 1، جدة، مطبوعات اليمامة، 1984م)، ص: 47.

 (6) المرجع السابق، ص: 56.

 (7) محمَّد جلاء إدريس، "الأدب السُّعُوديُّ"، (ط: 1، الرياض، مكتبة الرُّشد، 2006م)، ص: 45.

 (8) المرجع السابق ص: 46.

 (9) حسين بن أبي بكر بن غنَّام، "تاريخ ابن غنَّام"، اعتنى به: سليمان بن صالح الخراشي، (ط: 1، الرياض، دار الثلوثيَّة،2010م)، ج: 1، ص: (318- 319).

(10) عبد العزيز بن محمد بن سعود، "رسالة مهمة"، تقديم: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن باز، (بدون تاريخ)، ص: 13.

 (11) المرجع السابق، ص: 13.

 (12) ابن غنَّام، "تاريخ ابن غنام"، ج: 2، ص: 677.

 (13) عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، "مشاهير علماء نجد وغيرهم"، (ط: 2، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، 1394هـ)، ص: 185.

 (14) عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسَّام، "علماء نجد خلال ثمانية قرون"، (ط: 2، الرياض، دار العاصمة، 1419هـ)،ص: (57- 58).

(15) عثمان بن عبد الله بن بشر، "عنوان المجد في تاريخ نجد"، ج: 1، ص: (310- 311).

(16) خير الدين الزركلي، "الأعلام"، (ط: 7، بيروت، دار العلم للملايين، 1986م)، ج: 2، ص: 251.

(17) عثمان بن عبد الله بن بشر، "عنوان المجد في تاريخ نجد"، ج: 1، ص: 311.

(18)عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي، "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"،(ط: 3، (بدون ناشر، 1997م)، ج: 11، ص: 487.

 (19) عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسَّام، "علماء نجد خلال ثمانية قرون"، ج: 2، ص: 58.

 (20) حسين بن أبي بكر بن غنَّام، "تاريخ ابن غنَّام"، (ط: 1، الرياض، دار الثلوثيَّة،2010م)، ج: 1، ص: (43- 44).

(21) عثمان بن عبد الله بن بشر، "عنوان المجد في تاريخ نجد"، ج: 1، ص: 199.

(22) شعراء هجر، الرياض، دار العلوم، 1401هـ/1981م ص: 78-80.عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، "مشاهير علماء نجد وغيرهم"، ص: (196-197)

(23) شعراء هجر، ص: 80-83. عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، "مشاهير علماء نجد وغيرهم"، ص: (196-197).

(24) ابن غنَّام، "تاريخ ابن غنَّام"، ترجمة المحقِّق، ج: 1، ص: 16، هامش رقم: 3.

(25) المصدر السابق، ج: 2، ص: 799.

(26) المصدر نفسه، ج: 2، ص: 799.

(27) نفسه، ج: 2، ص: 1023.

(28) نفسه، ج: 2، ص: 1027.

(29) نفسه، ج: 2، ص: 902.

(30) نفسه، ج: 2، ص: 771.

(31) نفسه، ج: 2، ص: 1025.

(32) نفسه، ج: 2، ص: 1024.

(33) نفسه، ج: 2، ص: (952- 956).

 (34) تحفة المستفيد تاريخ الأحساء في القديم والجديد ، (الطبعة الثانية، مكتبة الأحساء الأهلية 1402هـ/1982م، القسم الثاني ص 361- 362).عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، "مشاهير علماء نجد وغيرهم"، ص: (198-199).

(35) ابن غنَّام، "تاريخ ابن غنام"، ج: 2، ص: 799.

(36)المرجع السابق، ج: 2، ص: 1023.

(37) عثمان بن عبد الله بن بشر، "عنوان المجد في تاريخ نجد"، ج: 2، ص: 197.

(38) ابن غنَّام، "تاريخ ابن غنام"، ج: 2، ص: 776.

(39) المصدر السابق، ج: 2، ص: 902.

(40) المصدر نفسه، ج: 2، ص: 952.

(41) نفسه، ج: 2، ص: 799.

(42) نفسه، ج: 2، ص: 777.

(43) نفسه، ج: 2، ص: 1024.

(44)نفسه، ج: 2، ص: 903.

(45) نفسه، ج: 2، ص: 953.

(46) نفسه، ج: 2، ص: 956.

(47) نفسه، ج: 2، ص: 1029.

(48) نفسه، ج: 2، ص: 777.

(49) نفسه، ج: 2، ص: 799.

(50) عثمان بن عبد الله بن بشر، "عنوان المجد في تاريخ نجد"، ج: 1، ص: 199.

(51) ابن غنَّام، "تاريخ ابن غنام"، ج: 2، ص: 904.

(52) عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسَّام، "علماء نجد خلال ثمانية قرون"، ج: 2، ص: 57.

 (53) ابن غنَّام، "تاريخ ابن غنام"، ج: 2، ص: 953.

(54) عثمان بن عبد الله بن بشر، "عنوان المجد في تاريخ نجد"، ج: 1، ص: 199.

(55) ابن غنَّام، "تاريخ ابن غنام"، ج: 2، ص: 776.

(56) المصدر السابق، ج: 2، ص: 953.

(57)المصدر نفسه، ج: 2، ص: (1024- 1025).

(58) ابن غنَّام، "تاريخ ابن غنام"، 2، ص: 777.

(59) عثمان بن عبد الله بن بشر، "عنوان المجد في تاريخ نجد"، ج: 1، ص: 197.

(60) المرجع السابق، ج: 1، ص: 197.

(61) محمد بن عبد الوهاب، "مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب،كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد"، تحقيق: إسماعيل بن محمد الأنصاري،((بدون مكان نشر)، مكتبة بن تيمية، (بدون تاريخ)، ص: 289.

(62) ابن غنَّام، تاريخ ابن غنام، ج: 2، ص: 954.

(63) عثمان بن عبد الله بن بشر، "عنوان المجد في تاريخ نجد"، ج: 1، ص: 39.

(64) المرجع السابق، ج: 1، ص: 199.

(65) ابن غنَّام، "تاريخ ابن غنام"، ج: 2، ص: 955.

(66) عثمان بن عبد الله بن بشر، "عنوان المجد في تاريخ نجد"، ج: 1، ص: 38

(67) ابن غنَّام، "تاريخ ابن غنام"، ج: 2، ص: 955.

(68) محمد بن إسماعيل البخاري، "صحيح البخاري"، (ط: 1، دمشق- بيروت، دار ابن كثير،2002م)، كتاب الإيمان،  باب: (قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، وقوله تعالى:      ، ص: 25. 

(69) ابن غنَّام، "تاريخ ابن غنام"، ج: 2، ص: 1027.

(70) المصدر السابق ج: 1، ص: 28.

(71) المصدر نفسه"، ج: 2، ص: 1025.

(72) نفسه، ج: 2، ص: 1025.

(73) نفسه، ج: 2، ص: 776.

(74) نفسه، ج: 2، ص: 777.

(75) نفسه، ج: 2، ص: 1028.

(76) نفسه، ج: 2، ص: 1024.

(77) نفسه، ج: 2، ص: 776.

(78)نفسه، ص: 954.

(79) نفسه، ج: 2، ص 956.

(80) نفسه، ج: 2، ص: 1027.

 (81) نفسه، ج: 2، ص: 1028.

(82) نفسه، ج: 2، ص: 954.

(83) نفسه، ج: 2، ص: 1026.

 

 

 

 

 

 

المراجع:

1. حسين بن أبي بكر بن غنَّام، تاريخ ابن غنَّام، (ط: 1، الرياض، دار الثلوثيَّة،2010م).

2. خير الدين الزركلي، الأعلام، (ط: 7، بيروت، دار العلم للملايين، 1986م).

3. شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربيِّ، (ط: 2، القاهرة، دار المعارف، (بدون تاريخ)).

4. طه حسين، الحياة الأدبية في جزيرة العرب، (ط: 1، دمشق، مكتبة النشر العربي، 1935م).

5. عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، مشاهير علماء نجد وغيرهم، (ط: 2، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، 1394هـ).

6. عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي، الدرر السنية في الأجوبة النجدية،(ط: 3، (بدون ناشر، 1997م).

7. عبد العزيز بن محمد بن سعود، رسالة مهمة، تقديم: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن باز، (بدون اسم الناشر، بدون تاريخ).

8. عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن آل بسَّام،علماء نجد خلال ثمانية قرون، (ط: 2، الرياض، دار العاصمة، 1419هـ).

9. عثمان بن عبد الله بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، تحقيق: عبد الرَّحمن بن عبد اللَّطيف بن عبد الله آل الشيخ، (ط: 4، الرياض، دارة الملك عبد العزيز، 1982م).

10. علي علي مصطفى صبح، المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية، (ط: 1، جدة، مطبوعات اليمامة، 1984م).

11. عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين، (ط: 1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1993م).

12. محمد بن إسماعيل الأمير الحسيني الصنعاني، ديوانه، تقديم: علي السيد صبح المدني،(ط: 1، القاهرة، مطبعة المدني، 1964م).

13. محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، (ط: 1، دمشق- بيروت، دار ابن كثير،2002م).

14. محمد بن عبد الوهاب، مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب،كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد، تحقيق: إسماعيل بن محمد الأنصاري،((بدون مكان نشر)، مكتبة بن تيمية، (بدون تاريخ).

15. محمَّد جلاء إدريس، الأدب السُّعُوديُّ، (ط: 1، الرياض، مكتبة الرُّشد، 2006م).

16. محمد بن علي الشوكاني، البدر الطالع، (القاهرة، دار الكتاب الإسلامي، (بدون تاريخ)).

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وظيفة الجملة في اللغة العربية

دور السياق في تحديد المعنى المراد من الجملة العربيَّة

سلسلة النظريَّات البديلة من نظريَّة العامل النحويِّ(3) (نظريَّة تضافر القرائن للدكتور تمَّام حسَّان)