هايكو عذاب الركابي
هايكو عذاب الركابي
أ. محمد إبراهيم محمد عمر همد
محمود
نبذة
تعريفيَّة بالشاعر عذاب الركابي:
شاعر وكاتب عراقيٌّ ولد في العام ١٩٥٠م، وله العديد من الدواوين
الشعريَّة والدراسات النقديَّة، وتتمثَّل في الآتي:
أولاً- الدواوين الشعريَّة: وله منتج شعريٌّ ثر، ومنه:
1. تساؤلات على خارطة لا تسقط فيها الأمطار، وصدر عام ١٩٧٩م في طرابلس.
. 2. من طموحات عنترة العبسي، وصدر عام ١٩٨٢م في طرابلس
3. قولي كيف تمت شجر الأحزان؟ وصدر عام ١٩٩٢م، في تونس.
4. أقول.. وأعني الحلم، وصدر عام ١٩٩٨م، في تونس.
5. الفوضى الجميلة، وصدر عام ٢٠٠١م، في المكسيك.
. 6. هذه المرأة لي، وصدر عام ٢٠٠٦م، في بنغازي
7. بغداد هذه دقات قلبي، وصدر عام ٢٠٠٩م، في السويد.
ثانياً- دراساته النقديَّة: وله عدد من الدراسات النقديَّة، ومنها:
1. صلوات العاشق السومري- دراسة في شعر البياتي- ١٩٩٧م- عمان.
2. بوابات هادئة - رؤية نقدية في الشعر والقصة والرواية العربية- ٢٠٠٠م- طرابلس.
3. عبد الرحمن الربيعي.. وأسئلة الزمن الصعب- دراسة وشهادات هامة- ٢٠٠٤م- تونس.
4. كيمياء الكتابة- تأملات في الإبداع الليبي- منشورات مجلة المؤتمر ٢٠٠٦م- طرابلس.
5. العزف بالكلمات- قراءات في الأدب الليبي- ٢٠٠٨م- مجلس الثقافة العام- بنغازي.(1)
تجربته في شعر الهايكو:
خاض عذاب الركابي أوَّل تجربة له في شعر الهايكو في العام ٢٠٠٥م، وذلك بتشجيع من صديقه الشاعر اللبنانيِّ قيصر عفيف، وفي ذات العام أصدر الركابي أوَّل دواوينه في شعر الهايكو، وكان الديوان بعنوان (ما يقوله الربيع) وصدر عن دار ميريت للنشر، ثم أصدر ديوانه الثاني في هذا الفنِّ بتاريخ ٢٠١٢م، وكان بعنوان
(رسائل المطر)، وصدر عن دار الأدهم بالقاهرة،(2) ثم صدرت طبعة أخرى من
ذات الديوان عن مجلة الرافد الإماراتيَّة في العام ٢٠١٥م، أما ثالث دواوينه في شعر الهايكو فكان بعنوان (العصافير ليست من سلالة الرياح)، وصدر عن دار الدار للنشر في العام ٢٠١٤م.(3)، وتُرجِمَ إلى الأسبانيَّة والإنجليزيَّة والروسيَّة والفارسية.(4) ثم أصدر مجموعة شعريَّة باسم (مختارات- سنونات الماء والزنابق)، وهو عبارة عن مختارات من دوواينه السابقة في شعر الهايكو.(5)
معجم الطبيعة في هايكو عذاب الركابي:
يهتمُّ شعر الهايكو بالطبيعة ووصفها، وليس بغرض الوصف فحسب وإنَّما بغرض التأمُّل في عناصرها، وإدراك كنهها للوصول إلى جوهرها، وهذا التأمُّل أمر اكتسبه شعر الهايكو من عقيدة (الزن) البوذيَّة، والتي تقوم على التأمُّل في الطبيعة
بغرض الوصول إلى حقيقة الأشياء وجوهرها،(6) ثم أصبح ذلك الأمر تقليداً راسخاً
في تكوين قصيدة الهايكو، ولهذا سيجد القارئ قاموساً حافلاً بعناصر الطبيعة في هايكو عذاب الركابي، فسيجد الشمس والجبل والمطر، وذلك كما في النصِّ التالي:
لوْ تلزمُ الشمسُ،
بيتَها الجبليَّ
حتّى يتمَّ زفافُ
قطرةِ مطرٍ .. وحيدة!
كما سيجد الصحراء وقحطها كما في القصيدة التالية:
لاتجدُ الصحراءُ
فائدةً
من قراءةِ سيرةِ المطر!
بالإضافة إلى الظلام والنور كما في النصِّ التالي:
تسرقُ الظلمةُ
أثوابَ النورِ،
فلا تأتي على مقاسِها!(7)
أو الليل وسكونه وهجوع بعض الضفادع كما في النصِّ التالي:
الليلُ
باذخٌ في سكونه
وهو يحرسُ
نومَ الضفادع(8)
أو البلبل وأنغامه والصباح كما في النصِّ التالي:
يكتب البلبل
أنغامه مبتهجا،
ويمحوها
صباح كئيب!!(9)
والنور والظلام كما في النصِّ التالي:
الكراهية
والظلام
صديقان وقتيانِ،
بينما
النورُ والمحبةُ
صديقان أَبديان..!!(10)
والشجر و العصافير والدبابير كما في القصيدة التالية:
حينَ حكتْ شجرة البرتقالِ
قصّةَ حُبّها،
والعصافيرُ منسجمةٌ
كانتِ الدبابيرُ تعُدُّ الشتائم!(11)
وكذلك الثمار والظلال والنسائم كما في النصِّ التالي:
تتكاثر الثمار
فرحا،
بأنها الشجرة،
كريمة الظلال والنسائم(12)
وكذلك الورود والفراشات في القصيدة أدناه:
ادعُ الوردةَ
لسريرِ كفّيكَ،
تسلمْ
من نميمةِ الفراشات!(13)
والمخلوقات والأشواك والعواصف في القصيدة التالية:
حين تكتب المخلوقات
تاريخها،
تحزن الأشواك والعواصف(14)
والذبابة والعصفور والأغصان كما في القصيدة التالية:
تحلمُ الذبابةُ بقيلولةٍ
على غصنِ العصفورِ،
لمجرّدِ أنها تطيرُ!(15)
كانت تلك نماذج من قاموس الطبيعة في هايكو عذاب الركابي، وهو قاموس حافل بعناصرها التي كانت قوام قصائده وموطن تأمُّلاته بغرض الوصول اكتشاف جوهرها لا وصف شكلها الظاهريِّ.
فصول السنة في هايكو عذاب الركابي:
يمثِّل ذكر الفصول خاصيَّة من خصائص الهايكو، وقد يكون ذلك بالنصِّ عليه صراحة أو بكلمة توحي به، وهو تقليد عريق في شعر الهايكو اليابانيِّ يرجع إلى فترة القصائد الطوال (الرينغا والهايكاي)، وأطلق عليه مصطلح (الكيغو)،(16) ويجد القارئ لهايكو الركابي أنَّه ينصُّ على ذكر فصل أو أكثر من فصول السنة في ثنايا القصيدة، وذلك كما في النماذج التالية لذكر فصل الخريف:
تتنازل الأشجار
عن أوراقها
قبل أن يتم خطبته
الخريف!(17)
فهذا النصُّ على ما فيه من نصٍّ على اسم الفصل(الخريف)سيجد القارئ أيضاً شيئاً من خصائصه، ألا وهو مشهد الأشجار التي تتساقط بعض أوراقها. وهذا أيضاً ما سيلاحظه القارئ في النصِّ أدناه عن الفصل نفسه:
يستقبل
الليل الحزين
الخريف،
بلون شاحب!!(18)
وهذا النصُّ على ما فيه من نصٍّ على اسم (الخريف)، هنالك إشارة توحي ببعض خصائصه، ألا وهو ليله الذي تختفي نجومه وتومض خفية بسبب تلبد سمائه بالغيوم، فيبدو شاحباً.
وكذلك النصُّ التالي عن فصل الخريف:
يحاول
الخريف
من أشجان
ويدس تحت
كل ورقة تسقط
حلما(19)
النص أعلاه ذكر فيه اسم الخريف، كما ذكر شيئاً من خصائصه ألا وهو ما يحدث في الخريف من تساقط لأوراق الشجر بسبب البراعم الجديدة من أوراق أخرى ستحلُّ محلَّ الأوراق التي تمدَّدت فيها المياه مما يعجِّل بموتها، فهذه البراعم الجديدة هي الحلم الذي يدسّه الخريف أسفل الأوراق الساقطة.
كما ذكره عذاب الركابي فصل الصيف في قصائد الهايكو خاصته ومن ذلك قوله:
وهو يحتفل
بعودته إلى الحياة،
يقدم الصيف
لزائريه
الماء العذب.. والفاكهة(20)
في هذا النصُّ ذكر عذاب الركابي فصل الصيف بالنصِّ عليه، كما ذكر شيئاً من خصائصه حيث يعذب فيه الماء وتنضج فيه الفاكهة.
وهذا أيضاً ما ذكره عن فصل الشتاء من خصائص، وذلك كما في النصِّ التالي:
ابتهاجا
بعيد ميلاده
يوزع الشتاء
مجانا
أثواب الثلج
والمطر!!(21)
وهنا ذُكِر اسم الشتاء، كما ذُكِرَتْ بعض خصائصه من جليد ومطر.
كما ذكر فصل الربيع وخصائصه كما في النصوص التالية:
1-
تحذر
الحمامات البيضاء
في اجتماعها الربيعي،
ببيت السنابل
من تجاهل السلام(22)
2-
لحظة
عقد قران الأقحوانة
على الربيع
تفيض قرائح الدبابير
غيظا
وشتائم(23)
3-
سرعان
ما تغير الشجرة
ثوبها الكستنائي
يعلن الربيع
عن موعد زمانه(24)
4-
الربيع والورة،
والعصفورة،
والعاشق..،
كل هؤلاء يحيون
سلالة الحلم!!(25)
ويذكر عذاب الركابي أحياناً فصلين معاً وذلك كما في القصيدتين التاليتين:
1-
يعرف العصفور
قدوم الرببع،
من وجه الشتاء
الشاحب(26)
2-
سأل الخريف
عن السر في حب الربيع
فجاء الجواب:
صحوا،
ووردا،
وعصافير!!(27)
وأحياناً يذكر الفصول الأربعة جميعاً، وذلك كما في النصِّ التالي:
الشتاء
يثمر ربيعا،
الربيع
ينهي أحلامه صيف،
الصيف،
بلا سلام
يترك كرسي السلطة
الخريف(28)
يتَّضح مما سبق ذكره أنَّ الفصول الأربعة حاضرة في هايكو عذاب الركابي، طوراً بالنصِّ عليها وأحياناً بذكر خصائصها وما يتعلَّق بها من مظاهر الطبيعة أو يحدث لعناصرها من تغيرات في تلك الفصول، ليجمع عذاب الركابي كلَّ ذلك ثمَّ ينتقي منه ما يخدم قصيدة الهايكو وشعريتيَّها المكثَّفة والموحية.
التصوير المشهديُّ:
تهتم قصائد الهايكو بتصوير لحظة محدَّدة تسمى لحظة الهايكو، وهي التي يقوم الشاعر بتصويرها وإبرازها في قالب شعريٍّ تكون الحواس كلُّها حاضرة فيه، فقصيدة الهايكو تتطلب يقظة حواس الشاعر وقدرته على تصوير تلك اللحظة في
ألفاظ ومقاطع محدَّدة تطلع بدور الكاميرا التي تصوُّر تلك اللحظة،(29)وعذاب الركابي الشاعر الناقد يعلم ذلك جيداً وهو الداعي إلى أن تكون اللغة المثاليَّة لكتابة الهايكو هي اللغة التي تصور الأشياء فهي"لغة كاميرا بلا زخارف، قصيدة بصريَّة فوتوغرافيَّة، ببراعة عدسة حسٍّ شعري شديد الرهافة، والشاعرُ الساحرُ مصوّر، وتشكيلي، ونحّات في آنٍ، واللغة المثالية الحسية مصدر الجمال والجذب والإثارة في قصيدة الهايكو.".(30) وتصوُّر قصائد عذاب الركابي مشاهد من الطبيعة كما يلي:
تمنّى الغصنُ
الطيرانَ
ففقدَ صداقة العصافير!(31)
هذا النصُّ يصوُّر مشهد الغصن المتمايل وكأنه يمني نفسه بالطيران، فطارت العصافير فزعاً منه، وهو مشهد مفرد أي أن تمايل الغصن وطيران العصافير فزعاً قد حدثا في الزمان والمكان نفسيهما، أي لم يكن كل من الحدثين منفصلاً في مكانه أو زمانه عن الآخر.
المفارقة والقدرة على الإدهاش:
تعد المفارقة خاصية من الخصائص المميِّزة لشعر الهايكو عند عذاب الركابي، وقد تقوم على الجمع بين صورتين متضادتين، أو صور متضادة، وذلك كما في النصوص التالية:
1-
كلام الوردة:
عطر،
كلام العصافير:
غناء،
كلام الريح:
فوضى،
كلام النهر:
ماء،
وكلام الشاعر بعد الكلام!!(32)
يصوُّر النصُّ أعلاه خمسة مشاهد: الأوَّل لوردة تعطِّر الجوَّ برائحتها، والثاني لعصافير تشقشق وكأنَّها تغني لحناً، والثالث لرياح تثير الفوضى بالمكان من شدَّة قوة هبوبها، والرابع لنهر ينساب وصوت خرير مياهه يطرب الأذن، والخامس لشاعر ينشد شعراً، وتكمن المفارقة العجيبة في أنَّ المشاهد الأربعة قد تبدو بلا رابط بينها، ليأتي الرابط في السطر الأخير حيث أنَّ كلام الشاعر له عطر الوردة، وغناء العصفور، وانسياب النهر، وفوضى الرياح، وهنا تكمن المفارقة في جمع خصائص تلك الأشياء التي تبدو متباعدة في أمر واحد هو كلام الشاعر(الشعر).
2-
ترى الزهرة نفسها
ملكة،
يرى الجبل نفسه
إمبراطورا،
ويرى العصفور نفسه
عازفا،
ويرى العاشق نفسه..
كل هؤلاء!!(33)
يصوُّر هذا النصُّ أربعة مشاهد: الأوَّل لزهرة تبدو كالملكة رقَّة وجمالاً وأناقة، والثاني لجبل شاهق ثابت يقف شامخاً كالإمبراطور أنفة وكبرياء، والثالث لعصفور يشقشق فيصدر لحناً موسيقيَّاً عذباً، والرابع لعاشق ولهان متقلِّب الأحوال عاطفيَّاً فلا
يهدأ له بال ولا يقرُّ على حال، والمفارقة هنا تكمن في أنَّ المشاهد الثلاثة الأولى قد
تبدو بلا رابط ببنها، ويأتي الرابط في المشهد الرابع الذي يصوُّر حال العاشق، والذي
تنتابه أحاسيس مختلفة فهو كالزهرة رقة وأناقة، وكالجبل في ثباته في حبِّه، وكالعصفور في عذوبة غزله وسلاسته وانسيابه، وهنا تكمن المفارقة في جمع خصائص تلك الأشياء التي تبدو متباعدة في أمر واحد هو حال العاشق وما يشعر به.
وقد يكون ما يجمع بين الصور المشاهد المختلفة مذكوراً في السطر الأوَّل من القصيدة، وذلك كما في النصِّ التالي:
لا معنى لدورة الزّمن
من دون عصفور يغنّي،
ووردة تتفتّح،
وموجة تتناسل أشرعة..
وزوارق..
فهذه القصيدة تصوُّر عن طريق أسلوب النفي والاستثناء مشاهد تصويريَّة تتمثَّل في شقشقة العصفور، والورود المتفتِّحة، والأمواج التي تتعالى موجة بعد موجة، والزوارق المشرعة التي تتهادى في الماء، فكلُّ ما يربط تلك المشاهد مذكور في البيت الأول،(34) وهو مرور الزمن، فهي تحدث في الزمان و تؤرِّخ له بأفعالها.
وقد تكون المفارقة عن طريق حشد بعض المشاهد التي يبدو في ظاهرها عدم وجود رابط بينها، ثم يأتي الرابط في السطر الأخير لا جامع بينه وبينها و لكنه يأتي ليشير إلى القارئ أنَّ هنالك رابط بين المشاهد السابق ذكرها، وذلك كما في النصِّ التالي:
يحمل اسم الشجرة
ثمرها
ويحمل اسم النجمة
ضوؤها،
ويحمل اسم الزهرة
عطرها،
وتأبي الحروفُ
أن تشكل اسماً
يُذكِّر بالظلام..!!(35)
هذا النص يصوُّر مشاهد عدَّة تتمثَّل في: شجرة مثمرة، ونجمة مضيئة، وزهرة فائحة العطر، وقد تشير المشاهد إلى عدم الترابط لأوَّل وهلة، ولكن عندما يذكر مشهد الظلام الذي يفترض أن يكون هو الرابط بين تلك المشاهد- فيجد القارئ عدم توفُّر ذلك فيه، فإن ذلك يدفعه إلى إعادة النظر في الأسطر السابقة فيجد هنالك رابط بينها
يتمثَّل في أنَّ منتج تلك الأشياء يمكنه أن يحمل اسمها، وذلك كما في الثمرة التي تحمل
نفس اسم الشجرة، والنجمة(الكوكب) التي تحمل اسم كما في كوكب (الزهرة)، وعطر الياسمين الذي يحمل اسم الزهرة التي أنتجته (زهرة الياسمين).
ما خلف الهايكو:
على الرغم من أنَّ قصيدة الهايكو تتَّصف بالمشهديَّة والتأمُّل في الطبيعة والاندماج مع عناصرها والاستماع إليها، إلا أنَّ ذلك لا يمنع من أن تخبِّئ ما وراء نصِّها رسائل للمتلقِّي، فهي تشير إلى ذلك من طرف خفي، ودون أن تصرَّح به، يقول الناقد والشاعر محمود عبد الرحيم الرجبي عن شعر الهايكو: "هو ما وراء المشهد، وما بين المشهد، وما يحاول المشهد أن يمنعك رؤيته دون تأمل عميق.".(36)
ومن ما ورائيَّات المشهد في هايكو عذاب الركابي ما جاء في النماذج التالية:
1-
لا تخفى
السنابل ضحكتها الإلهية
حتى لو لمع
منجل الحصاد!!(37)
فهذا النصُّ ظاهره صورة مشهديَّة للسنابل وهي ضاحكة متفتِّحة في وقت حصادها، إلا أنَّ ما وراء المشهد رسالة مفادها: قمة النضج والاستمتاع بالحياة يعني نهاية الحياة.
2-
أكثر
ما يقلق السنابل
غيمة مراوغة
ومزارع يخطئ
في المواعيد!!(38)
هذا النصُّ على ما فيه من تكثيف شديد، وصور مشهديَّة للسنابل التي تقتلها الأمطار التي لا تأتي في وقتها، أو المزارع الذي لا يدرك التوقيت المناسب لسقياها، وما وراء هذا المشهد رسالة مفادها: ليس القلق بشأن الشر فحسب فقد يكون الخير قاتلاً إذا لم يأتِ في التوقيت المناسب.
3-
يحسد
العصفور الوحيد
غصن الشجرة
على استقراره
ويحسد الغصن
العصفور على أسفاره.. وحريته(39)
هذا النصُّ يصور مشهدين أحدهما لصورة العصفور وهو يحلق وحيداً في السماء، والآخر لصورة الغصن وهو مستسلم في استقراره بالشجرة الأم، وكأنّ كلّاً منهما ينظر للآخر وتعجبه حياة الآخر لا حياته. وما وراء هذا المشهد تختفي رسالة فحواها: الاستمتاع بما في اليد أفضل من النظر إلى ما في يد الآخرين، ربما يكون لديك من النعم ما يحسدك عليه الآخر الذي تمنَّيت أن تكون مكانه.
4-
ابتهاجا
بعيد ميلاده
يوزع الشتاء
مجانا
أثواب الثلج
والمطر!!(40)
هذا النصُّ يصوُّر مشهد الشتاء وهو يغطى الأرض بالجليد والمطر، وما وراء هذا المشهد تتوارى رسالة فحواها: احذر البارد قلباً فهو يؤذيك ببرودته وسماجته حتى لو أراد أن يحسن إليك فليس لديه ما يقدمه لك سوى ذلك، كما الشتاء الذي لا يقدم سوى الجليد والمطر.
5-
وهو يحتفل
بعودته إلى الحياة،
يقدم الصيف
لزائريه
الماء العذب.. والفاكهة(41)
هذا النصُّ يصوُّر مشهد الصيف، وقد جُعِل الماء العذب محبوباً فيه ونضجت الفاكهة بحرارته، وخلف هذا المشهد تتوارى رسالة تتمثَّل في: عليك بالحارِّ عاطفيَّاً في علاقته، فهو قد يطفئ أحزانك بكلامه الطيِّب، وقد يفيدك بكرمه عليك، وذلك كما الصيف الذي يجعل الماء العذب مفضَّلاً على أيِّ شيء، وتنضج فيه ثمار الفواكه.
6-
تغضب
العصافير
عند ذكر حسنات
الرياح
ولا تميل إلى صداقتها(42)
هذا النصُّ يصوُّر مشهد العصافير وهي قابعة تتحاشى الرياح الشديدة، فلا تحلِّق أثناء هبوبها، وخلف هذا النصِّ تتوارى رسالة مفادها: لا تتفاخر بإظهار قوتك وقدرتك أمام الناس، فمنهم من يغضبه ذكر ذلك لعجز منه وليس لعيب فيك.
7-
لحظة
عقد قرآن الأقحوانة
على الربيع
تفيض قرائح الدبابير
غيظا
وشتائم(43)
هذا النصُّ يصور مشهد الربيع وقد زان الأرض بزهر الأقحوان الأصفر، فبدت وكأنَّها عروس، بينما خرجت أنثى الدبور من سباتها الشتوي تبحث عن زوج جديد. وما وراء هذا المشهد رسالة مفادها: لا تذكر محاسن زوجتك أو تنعمك بها أمام من طلق زوجته أو من لا زوجة له، لأن ذلك يثير حفيظته، كما الربيع الذي تفرح الأرض به وتتزين به ولكن ذكر الدبور يعني له الربيع خروج أنثاه بحثاً عن ذكر جديد بعد السبات الشتويِّ.
8-
لا تحضر
الزنبقة
مجلس الشمس التي
تغتاب العصافير!!(44)
هذا النصُّ يصوُّر مشهد الزنبقة الذابلة وقد اكتست سوداً بسبب أشعة الشمس في يوم حار تغيب عصافيره عن التحليق في السماء من شدَّة الحر. وما وراء هذا المشهد رسالة فحواها: إذا كان من ترعاه شخصاً حسَّاساً فاحرص على تجنيبه اللوم المباشر، فإن ذلك يؤذيه كما تؤذي أشعة الشمس المباشرة الزنبقة وتقتلها.
9-
تسخر
السنونوة الناحلة
وشجرة الزيتون،
من عراك الديكة!!(45)
يصوُّر هذا النصُّ مشهد أنثى السنونو وهي في عشها على شجرة الزيتون، بينما تتصارع الديكة على الدجاج. ما وراء هذا المشهد رسالة مفادها: الأنثى مخلصة عاطفياً لذكرها كأنثى السنونو، بينما الذكر ملول ويفضِّل العلاقات العاطفيَّة المتعدِّدة كالديك الذي يتعارك على سرب من الدجاج على الرغم من أنَّه من الممكن أن يكتفي بواحدة.
10-
لا يثير
خرير الماء
أي إحساس
لدى شجرة الصفصاف(46)
يصوُّر هذا النصُّ مشهد شجرة الصفصاف وهي غافية على ضفة النهر، وما وراء هذا المشهد رسالة مفادها: ما تراه أنت مثيراً قد لا يكون كذلك عند بعضهم كما شجر
الصفصاف الذي لن يكون مهتماً لخرير الماء فجذوره التي ذهبت بعيداً تتكفَّل بتوفير الماء من أبعد المناطق عنه.
11-
لا ترى
الورقة النائمة،
في سريرها المخملي
ضرورة
لحكم الخريف(47)
هذا النصُّ يصوُّر مشهد ورقة الشجرة متشبثة بغصنها وهواء الخريف يحاول انتزاعها من ذلك الغصن، وما وراء هذا المشهد تتوارى رسالة فحواها: ما ترفضه أنت قد يكون مفيداً لغيرك، فكما سقوط ورق الشجرة في الخريف غير مفيد للورق الساقط، ولكنه يكون مفيد للشجرة إذ تتخلَّص من الورق الضعيف الذي سيتكسر في الشتاء بسبب تمدُّد الماء فيه بسبب برودة الطقس في الخريف، مما يعرِّض حياة الشجرة للخطر في الشتاء إذ يجعلها تواجه الشتاء بدون عائل يصنع لها الغذاء، لذلك من مصلحة الشجرة التخلُّص من هذا النوع الورق في الخريف وتجديد غيره.
12-
كتاب المطر
آخر ما تفكر
الصحراء
في قراءته!!(48)
يصور هذا النصُّ مشهد الصحراء وهي ساكنة جافَّة في كلِّ فصول السنة، ويخفي ما وراءه رسالة مفادها: لا تضع الوقت فيما لا تستفيد منه. وكن كالذي يعيش في الصحراء فلن تهمه نشرة أخبار الطقس فلن تزيده علماً بالصحراء وخصائصها المناخيَّة.
13-
قالَ النهرُ للنخلةِ:
تأخذينَ مكاني؟
قالتِ النخلةُ للنهر:
تأخذُ مكاني؟
مرَّ عصفورٌ وغنّى
(49)!ماءً وتمراً
هذا النصُّ يصوُّر مشهد النخلة التي انحنت ومالت نحو النهر وكأنَّها تحادثه وتقول له أن يأخذ مكانها، والنهر يصل إليها وينحسر عنها في مده وجذره وكأنَّه يقول لها خذي مكاني، بينما العصفور فرحاً يغني وقد وجد الماء والتمر في مكان واحد. وما وراء هذا المشهد رسالة مفادها: تظل الأشياء هي الأشياء عند بعضهم وإن تبدلت المواقف، وذلك كما النخلة والنهر عند العصفور سيظلان تمراً وماء وإن تبادلا الأدوار.
فلسفة هايكو عذاب الركابي:
يخفي شعر الهايكو في طياته خبايا فلسفية قد تكون مستمدة من تجارب الشاعر أو معتقداته الروحية، وهي التي تحدد البؤرة التي يرى من خلالها لحظة الهايكو ليصل إلى متعتة التنوير، وقد ارتبط شعر الهايكو الياباني بعقيدة (الزن) البوذية، والتي تهتم بالتأمل في الطبيعة بغرض الوصول إلى جوهرها الأصل،(50)
ويهتم عذاب الركابي بوصف الطبيعة في قصائد الهايكو خاصته، وسيجد المتلقي ملامح فلسفية في طياتها، وتستند بعض الملامح الفلسفية على مبادئ ومعتقدات وشعائر إسلامية، ومن ذلك ما جاء في النص التالي:
وتفخر
قطرة المطر
بكهرباء أصابع
الخالق..!(51)
يصف هذا النصُّ مشهد المطر المصحوب بالبرق، وهو يستند في تصويره على ألفاظ
ذات مدلولات مستندة على العقيدة الإسلاميَّة إذ تجعل(البرق) (الكهرباء) من صنع الخالق،(52)وذلك كما في قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِى سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُۥ ثُمَّ يَجْعَلُهُۥ رُكَامًا فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍۢ فِيهَا مِنۢ بَرَدٍۢ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِۦ يَذْهَبُ بِٱلْأَبْصَٰرِ}(53) كما استخدام لفظ الأصابع وإثباته الخالق يرجع إلى العقيدة الإسلاميَّة، وذلك كما في قول
صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ قلُوبَ بَنِي آدَمَ كلَّها بَيْنَ أصبعين مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ)،(54) ومن النصوص التي استندت على المبادئ الإسلاميَّة في هايكو عذاب
الركابي النص التالي:
المزارعُ الطيبُ
يُخفي منجلهُ
حينَ تستقبلهُ الثمارُب
لونِ .. وطعمٍ جديد(55)
هذا النص يصوُّر مشهد المزارع وهو يحصد محصوله بالمنجل في خفة ومهارة يد، فكأنَّه يخفي منجله عن الشجر وهو يستقبله بثماره الناضجة، ولفظ إخفاء المنحل الذي هو أداة لإنهاء حياة السنابل له مدلول يستند على مبدء من مبادئ الشريعة الإسلامية، ألا وهو إحسان القتل، وقد ورد فى مستدرك الحاكم، أنَّه قد مرّ على رجل أضجع شاه ليذبحها وهو يحد شَفرَتَه، فقال له النبي صلَّى الله عليه وسلم: ((أَترِيد أَن تميتها موتات، هلا أَحددت شفرتك قبل أَن تضجعها؟)).(56)
ومن قصائد الهايكو التي اعتمدت على خلفية فلسفيَّة إسلاميَّة هذه القصيدة:
ثق
في نبوءة
الغيمة الماطرة
تملك بستانا..(57)
تأمل
نخلة تتناسل
تجد
أمام بيتك نهر عسل(58)
وهذا النصُّ يصف مشهد النخل المتناسل وما يترتَّب عليه من خير وفير على تناسله (العسل الشهيّ)، وتقوم فلسفته على أن زيادة النسل تعني زيادة في الخير، وهو مبدأ من مبادئ الشريعة الإسلامية الداعي إلى كثرة النسل .
مظاهر التجديد في هايكو عذاب الركابي:
على الرغم من أنَّ عذاب الركابي يلتزم بقواعد الهايكو وخصائصه الفنيَّة في كثير من قصائده إلا أنَّه أحياناً يميل إلى التجديد بالخروج عن بعض القواعد مع الاحتفاظ بروح الهايكو تتراءى من خلال النصِّ، ومن تلك المظاهر التجديديَّة في شعره ما يلي:
1. الخروج عن القالب اللفظي الهايكو: خرج عذاب الركابي عن الشكل الكلاسيكيِّ لقصيدة الهايكو المتمثل في الأسطر الثلاثة والمقاطع اللفظيَّة السبعة عشرة المرتبة على نظام ،(٥-٧-٥) مقاطع على الترتيب،(59) وقد تحرَّر عذاب الركابي من هذا الشكل الكلاسيكيِّ في كثير من قصائده إلى فضاء أرحب يستوعب وصف المشهد المراد تصويره،(60) وذلك كما هو واضح في النصوص التالية:
1-
كل
ما تحلم به
شجرة البرتقال
ثمرة
تحفظ كينونتها،
وعصفور يغني
سيرتها(61)
2-
تقلق الأزهار
في رقصتها
خطر الموت،
تقلق الكلمات
في صخبها
زخارف الحياة(62)
3-
كلام الوردة:
عطر،
كلام العصافير:
غناء،
كلام الريح:
فوضى،
كلام النهر:
ماء،
وكلام الشاعر بعد الكلام!!(63)
كلُّ النصوص أعلاه خالفت النمط الكلاسيكيَّ لقصيدة الهايكو سواء أكان ذلك على مستوى الأسطر الثلاثة أو على مستوى المقاطع اللفظيَّة، فوصل بعضها السبعة أسطر، وبعضها يتكون من تسعة أسطر، وتفاوتت المقاطع اللفظيَّة طولاً وقصراً بين سطر وآخر.
2. استخدام المجاز اللغويُّ: تخلو قصيدة الهايكو التقليديَّة من المجازات اللغويَّة، ولا حاجة لها لاستخدام الاستعارات في تصويرها الطبيعة واستمالة المتلقِّي، يقول الشاعر هولز تينسكي عن ذلك: "لا حاجة التشبيه والاستعارة، لأن الأحاسيس المعمقة يمكن إثارتها عن طريق مقابلة عنصرين من الطبيعة ومن حياة الإنسان.".(64)
على الرغم من أنَّ عذاب الركابي يلتزم بالبعد عن المجاز أحياناً، إلا أنَّه يميل لاستخدامه أحياناً أخرى، ومن استخدامه للمجاز في شعر الهايكو النماذج التالية:
1-
تخاف الظلمة كثيرا
من لقاء الضوء
على طاولة الرهان!(65)
2-
حين
تكتب المخلوقات
تاريخها،
تحزن الأشواك والعواصف(66)
3-
اقتيد الليل والنهار
إلى غرفة التحقيق
فأدين الليل بظلمته،
وأفرج عن النهار
لآيات نوره(67)
هذه بعض النماذج الشعريَّة لاستخدام عذاب الركابي الاستعارات في شعر الهايكو، وقد فاقت حدَّ الاستعارة إلى أنسنة مظاهر الطبيعة، حيث الظلمة تخاف من خسارة الرهان أم الضوء، والمخلوقات تكتب التاريخ والأشواك والعواصف تحزن، ويُحقَقَّ مع الليل والنهار، فيُدان الليل ويُفرَج عن النهار لقوَّة أدلَّة براءته.
3. تعدُّد اللحظات: من خصائص شعر الهايكو أنَّه يركز على وصف تجربة ما، حتى يصل بالمتلقِّي إلى الشعور بذات الشعور الذي أحسَّ به الشاعر عند وصفه التجربة، وهو ما يعرف بلحظة الهايكو،(68) أما الركابي فيعمد في بعض قصائده إلى تعدَّد لحظات الهايكو، حيث يمكث يطوُّر الفكرة وينمِّيها ويعدُّد في صور عرضها عن طريق وصف تجارب عدَّة مخالفاً بذلك خاصيَّة لحظة الهايكو،(69) ويتضح هذا جلياً في النصوص التالية:
1-
ترى الزهرة نفسها
ملكة،
يرى الجبل نفسه
إمبراطورا،
ويرى العصفور نفسه
عازفا،
ويرى العاشق نفسه
كل هؤلاء!!(70)
2-
قالتِ النخلةُ:
سمعتٌ أنَّ عصفوراً يتعلمُ الرسمَ،
قالتِ الإقحوانةُ:
سمعتُ أنَّ سحابةً تتعلمُ الموسيقا،
قالَ النهرُ:
اذكروا لي واحداً،
تعلمَ العذوبة!(71)
3-
تقلق الأزهار
في رقصتها
خطر الموت،
تقلق الكلمات
في صخبها
زخارف الحياة(72)
4. أغراض شعرية أخرى: على الرغم من علم عذاب الركابي بأنَّ وصف الطبيعة هو الموضوع الوحيد لشعر الهايكو، ويلتزم بذلك كثيراً في شعره إلا أنَّه يخرج أحياناً إلى موضوعات أخرى كالحديث عن الوطن والحرية في قصائد الهايكو، وذلك كما في هاتين القصيدتين:
* وطن
كم يلزمك من الكذب
كي تنام
ليلة ثلجية
في سرير الوطن
* حرية
كم
يلزمك
من النفي
كي تعيش حريتك(73)
5. . ظهور الذات: يُعَدُّ تواري ذات الشاعر من نصِّ الهايكو من أخصّ خصائص هذا النوع الشعريِّ، وهذا أمر يلتزم به عذاب الركابي كثيراً في شعره، إلا أنَّه أحياناً
يخالف ذلك، فتظهر ذات الشاعر بوضوح في النصِّ، وذلك كما في هذه القصيدة من ديوانه (ما يقوله الربيع):
* بلاغة
لن أنسى
ما حييت
نظرة تلك الوردة
لن أنسى ما حييت
ثقة قطرة الندى
بنفسها
لن أنسى
ما حييت
بلاغة الألم!!(74)
كانت تلك نماذج لخروج عذاب الركابي عن قواعد الهابكو، وكان ذلك في بعض القصائد التي ترجع إلى تجربته الأولى (ما يقوله الربيع)، فيمكن تقبُّل ذلك في سياق تاريخيٍّ لكونها ترجع إلى بواكير تجربة الهايكو عند عذاب الركابي، وهي فترة تتَّسم بالتجريب مع محاولة التفرُّد، وهذا لا يمنع في النهاية من الحكم بنجاح تجربة عذاب الركابي في شعر الهايكو، وتمكُّنه من تطبيق قواعده في الكثير من قصائده ودواوينه في شعر الهايكو تشير بذلك. وذلك لأنَّ بعضاً من تلك القواعد قد كُسِر قبله من قِبَل شعراء الهايكو الأوائل، حيث لم يلتزم بعضهم بتنحي ذات الشاعر في شعر الهايكو، وذلك كما في هذه القصيدة للشاعر (بوسون):
ذراعي وسادة
معجب بنفسي كثير
تحت القمر الضبابي
وهذه القصيدة للشاعر (شيكي):
الحزن عندما أرى الفاوانيا تزهر
كأنها تحاول أن تبهجني،
وأنا مستلق على فراش المرض(75)
ولعل مخالفة قواعد الهايكو عند عذاب الركابي في بعض قصائده تصلح أرضيَّة لتأسيس خصائص عربيَّة للهايكو العربيِّ، وذلك وفقاً لرؤية الشاعر والناقد الفلسطينيِّ محمد الأسعد، والذي يرى ضرورة أن تكون للهايكو العربيِّ خصائص ثقافيَّة تميِّزه حتى لا يصبح نسخة مكرورة للثقافات الأخرى، كما يرى أنَّ خصائص الهايكو
العربيِّ تتمثَّل في ظهور ذات الشاعر، وقدر محدَّد من المجاز، بالإضافة إلى النفحة الغنائيَّة التي ترجع إلى طبيعة الثقافة العربيَّة الشعريَّة.(76) وكذلك يرى الشاعر والناقد الأردني محمود الرجبي أنَّه لا بأس من وجود قدر معقول من المجاز في شعر الهايكو، ويقدِّر ذلك بكونه يمثِّل ضرورة لتحقيق المعنى الكامن خلف الهايكو، فليس الغرض من الهايكو مجرد وصف الطبيعة ولكن الغرض منه الوصول إلى المعنى الكامن خلفه.(77)
يتضح مما سبق ذكره أنَّ عذاب الركابي صاحب تجربة ناضجة في شعر الهايكو، وذلك لامتثاله لمعظم خصائص الهايكو من تأملٌّ في الطبيعة، وظهور فصول السنة فيه، وذلك من خلال مشاهد تصويريَّة تصوُّر الطبيعة بألفاظ موجزة، ولكنها تخفي خلفها رسائل مستوحاة من الطبيعة وقوانيها السرمديَّة، مستنداً في بعض منها على خلفيَّة فلسفيَّة إسلاميَّة. كما خرجت بعض قصائد عذاب الركابي عن القواعد الفنيَّة لشعر الهايكو، حيث ظهرت ذات الشاعر في بعض القصائد، بالإضافة إلى الإغراق في المجاز في بعض من قصائده، وترجع تلك القصائد إلى تجربته الأولى، كما يظهر في بعضها محاولة التأسيس لهايكو عربيّ يقارب المجاز الذي يقوم عليه الشعر العربيُّ في بنائه الفنيِّ.
_____________________
(1) موقع الناقد العراقي، "صفحة عذاب الركابي"، موقع الناقد العراقي، بدون تاريخ، تاريخ المشاهدة: ١٦/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://www.alnaked-aliraqi.net/ency/athab-alrikab
(2) أشرف عبد القادر محمد الكريدي، نظرة جديدة إلى التواصل الثقافي والعولمة- تأثير الآخر على الأنا متمثلا هذه المرة في تأثير الشرق الأقصى على الشرق الأوسط نموذجا، ص: ٣٧٢.
(3) أشرف عبد القادر محمد الكريدي، نظرة جديدة إلى التواصل الثقافي والعولمة- تأثير الآخر على الأنا متمثلا هذه المرة في تأثير الشرق الأقصى على الشرق الأوسط نموذجا، ص: ٣٧٢.
(4) البشير ضيف الله، "العصافير ليست من سلالة الرياح لعذاب الركابي"، موقع
صحيفة القدس العربي، تاريخ النشر: ٨/٢/٢٠٢١م، تاريخ المشاهدة: ١٦/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://www.alquds.co.uk/لعصافير-ليست-من-سلالة-الرياح-لعذاب-الر/
(5) عذاب الركابي، مختارات- سنونات الماء والزنابق، موقع مجلة نصوص من خارج اللغة، تاريخ النشر ٢٠١٩م ، تاريخ المشاهدة: ١٧/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://nousos.com/?p=3181&
(6) حمدي حميد الدوري، شعر الهايكو الياباني وإمكانياته في اللغات الأخرى، ص: ١٨.
(7) عذاب الركابي، مختارات- سنونات الماء والزنابق، موقع مجلة نصوص من خارج اللغة، تاريخ النشر ٢٠١٩م ، تاريخ المشاهدة: ١٧/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://nousos.com/?p=3181&
(8) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، الدار للنشر، 2017م، ص: ٢٩.
(9) عذاب الركابي، رسائل المطر، دار الأدهم للنشر، القاهرة،2012م، ص: ١٥.
(10) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ١١٠.
(11) عذاب الركابي، مختارات- سنونات الماء والزنابق، موقع مجلة نصوص من خارج اللغة، تاريخ النشر ٢٠١٩م ، تاريخ المشاهدة: ١٧/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://nousos.com/?p=3181&
(12) عذاب الركابي، رسائل المطر، ص: ١١.
(13) عذاب الركابي، مختارات- سنونات الماء والزنابق، موقع مجلة نصوص من خارج اللغة، تاريخ النشر ٢٠١٩م ، تاريخ المشاهدة: ١٧/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://nousos.com/?p=3181&
(14) عذاب الركابي، رسائل المطر، ص: ١٩.
(15) عذاب الركابي، مختارات- سنونات الماء والزنابق، موقع مجلة نصوص من خارج اللغة، تاريخ النشر ٢٠١٩م ، تاريخ المشاهدة: ١٧/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://nousos.com/?p=3181&
(16) ريو يوتسويا، تاريخ الهايكو الياباني، ص: ١٤.
(17) عذاب الركابي، رسائل المطر، ص: ١٢.
(18) المرجع السابق، ص: ٩.
(19) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ٢٠.
(20) المرجع السابق، ص: ١٩.
(21) المرجع نفسه، ص: ١٨.
(22) عذاب الركابي، رسائل المطر، ص: ١٦.
(23) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ١٥.
(24) عذاب الركابي، رسائل المطر، ص: ٢٤.
(25) المرجع السابق، ص: ٢٥.
(26) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ٢٤.
(27) عذاب الركابي، رسائل المطر، ص: ٢٣.
(28) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ٢٣.
(29) حسن الصلهبي، صوت الماء مختارات لأبرز شعراء الهايكو، ص: ١٩.
(30) عذاب الركابي، "قصيدة الهايكو العربي نماذج ركيكة.. ونقد انطباعي سريع"، موقع مجلة العربي الكويتية، النسخة الإلكترونية من العدد : ٧٤٦، تاريخ المشاهدة: ١٤/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://alarabi.nccal.gov.kw/Home/Article/16803
(31) عذاب الركابي، مختارات- سنونات الماء والزنابق، موقع مجلة نصوص من خارج اللغة، تاريخ النشر ٢٠١٩م ، تاريخ المشاهدة: ١٧/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://nousos.com/?p=3181&(32) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ١٣.
(33) المرجع السابق، ص: ١٤.
(34) محمد الأسعد، "هايكو الحرب: الوقوف عند المفارقة"، موقع صحيفة العرب الجديد، تاريخ النشر: ٣٠/١/٢٠١٧م، تاريخ المشاهدة: ١٩/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://www.alaraby.co.uk/"هايكو-الحرب"-الوقوف-عند-المفارقة?amp
(35) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ٣٤.
(36) فريد أمعضشو، "ما الهايكو؟"، موقع مجلة رسائل الشعر، بدون تاريخ، تاريخ المشاهدة: ١٦/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://www.poetryletters.com/mag/دراسات/ما-الهايكـو؟-تعريف-
(37) عذاب الركابي، رسائل المطر، ص: ١٣.
(38) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ٢٢.
(39) المرجع السابق، ص: ١٢.
(40) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ١٨.
(41) المرجع السابق، ص: ١٩.
(42) المرجع نفسه، ص: ٩.
(43) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ١٥.
(44) عذاب الركابي، رسائل المطر، ص: ٧.
(45) عذاب الركابي، رسائل المطر، ص: ١٠.
(46) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ١٩.
(47) عذاب الركابي، رسائل المطر، ١٤.
(48) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ١٧.
(49) عذاب الركابي، مختارات- سنونات الماء والزنابق، موقع مجلة نصوص من خارج اللغة، تاريخ النشر ٢٠١٩م ، تاريخ المشاهدة: ١٧/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://nousos.com/?p=3181&
(50) حمدي حميد الدوري، شعر الهايكو الياباني وإمكانياته في اللغات الأخرى، ص: ١٨.
(51) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ٤٤.
(52) رمزي بهي الدين، " ديوان العصافير ليست من سلالة الرياح"، موقع نصوص خارج اللغة، تاريخ النشر: ٢٠١٩م، تاريخ المشاهدة: ٢٠/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://www.google.com/amp/s/nousos.com/%3fp=3231&
(53) سورة النور: الآية: 43.
(54) مسلم، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية،
ط: 1، 1374هـ، كتاب القدر، باب: تصريف الله القلوب كيف شاء، حديث: 2654.
(55) عذاب الركابي، مختارات- سنونات الماء والزنابق، موقع مجلة نصوص من خارج اللغة، تاريخ النشر ٢٠١٩م ، تاريخ المشاهدة: ١٧/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://nousos.com/?p=3181&
(56) الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: 2، 2002/، كتاب الذبائح، حديث: 7570/1، ج: 4، ص: 260.
(57) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ٦٠.
(58) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ٦١.
(59) آمنة بلعلي، خطاب الأنساق، الانتشار العربي، ص: ١٤١.
(60) شريف عابدين، "قراءة في هايكو عذاب الركابي"، موقع أخبار اليوم، تاريخ النشر: ٢٠/٣/٢٠٢٢م، تاريخ المشاهدة: ٢٠/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
(61) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: 21.
(62) عذاب الركابي، رسائل المطر، ص: ١٨.
(63) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ١٣.
(64) حسن الصلهبي، صوت الماء مختارات لأبرز شعراء الهايكو، ص: ٢٢.
(65) عذاب الركابي، مختارات- سنونات الماء والزنابق، موقع مجلة نصوص من خارج اللغة، تاريخ النشر ٢٠١٩م ، تاريخ المشاهدة: ١٧/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://nousos.com/?p=3181&
(66) عذاب الركابي، رسائل المطر، ص: ١٩.
(67) عذاب الركابي، مختارات- سنونات الماء والزنابق، موقع مجلة نصوص من خارج اللغة، تاريخ النشر ٢٠١٩م ، تاريخ المشاهدة: ١٧/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://nousos.com/?p=3181&
(68) حسن الصلهبي، صوت الماء مختارات لأبرز شعراء الهايكو، ص: (١٨- ١٩).
(69) آمنة بلعلى، خطاب الأنساق، ص: (١٥٨- ١٥٩).
(70) عذاب الركابي، العصافير ليست من سلالة الرياح، ص: ١٤.
(71) عذاب الركابي، مختارات- سنونات الماء والزنابق، موقع مجلة نصوص من خارج اللغة، تاريخ النشر ٢٠١٩م ، تاريخ المشاهدة: ١٧/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://nousos.com/?p=3181&
(72) عذاب الركابي، رسائل المطر، ص: ١٨.
(73) آمنة بلعلى، خطاب الأنساق، ص: ١٥٨.
(74) المرجع السابق، ص: (١٥9- ١60).
(75) وفيق المصري، "انزياحات قصيدة الهايكو اليابانية في العصر الحديث"، موقع معنى، تاريخ النشر: ٢٧/٦/٢٠٢١م، تاريخ المشاهدة: ٢٧/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
(76) صدام أبو مازن، "شعر والومضة والتأمل.. "الهايكو" العربي يفشل رهانات النقاد ويتجه من اليابان للمغرب والعالمية"، موقع الجزيرة نت، تاريخ النشر: ٣٠/١٠/٢٠١٩م، تاريخ المشاهدة: ١٤/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://www.aljazeera.net/amp/news/cultureandart/2019/10/30/شعر-الومضة-والتأمل-الهايكو-العربي
(77) محمود الرجبي، "مقال عن شعر الهايكو"، موقع جريدة النجم الإلكترونية، تاريخ النشر: ٧/١١/٢٠٢م، تاريخ المشاهدة: ٢٧/٦/٢٠٢٢م، الرابط:
https://alnigm.com/مقال-عن-شّعر-الهايكو-بقلم-محمود-الرجبي/
تعليقات
إرسال تعليق