أصناف أهل النار الذين رآهم الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج

أصناف أهل النار الذين رآهم الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج


أ. محمَّد إبراهيم محمَّد عمر همَّد محمود




الإسراء والمعراج لغة:

      جاء في لسان العرب: "السرى: سير الليل عامته، وقيل: السرى سير الليل كله.".(1) أمَّا المعراج في اللغة فهو من: "عرج في الشيء وعليه يعرج ويعرج عروجاً أيضاً: رقي... وفي التنزيل: {تعرج الملائكة والروح إليه}،(2) أي تصعد.".(3)

الإسراء والمعراج شرعاً:

     ويقصد بالإسراء إسراء الله سبحانه وتعالى بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهو المعني في قوله تعالى: {سبحان الذي أسرة لعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}(4) أما المعراج فهو العروج به صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى إلى السماء، وقد ذكر ذلك في قوله تعالى: 

 وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى

وقد ذكر في السنة الشريفة ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث:

حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: ((بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ- وَرُبَّمَا قَالَ فِي الْحِجْرِ- مُضْطَجِعًا، إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَدَّ- قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فَشَقَّ- مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ- فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهْوَ إِلَى جَنْبِي مَا يَعْنِي بِهِ قَالَ مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ- فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أُوتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ)).- فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ قَالَ أَنَسٌ نَعَمْ، يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طرفه- ((فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلاَمَ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ قَالَ هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا. فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالاَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ. قَالَ هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ قَالَ هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ قَالَ هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. قَالَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا مُوسَى قَالَ هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيكَ قَالَ أَبْكِي لأَنَّ غُلاَمًا بُعِثَ بَعْدِي، يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. قَالَ نَعَمْ. قَالَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. قَالَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلاَمَ قَالَ مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ قَالَ هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ. فَقُلْتُ مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ، فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ. ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ هِيَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ. فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ بِمَا أُمِرْتَ قَالَ أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ بِمَا أُمِرْتَ قُلْتُ أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. قَالَ سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ- قَالَ- فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي)).(6)

أصناف أهل النار الذين رآهم الرسول صلى الله عليه وسلم في معراجه:

       رأى النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة بعض الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله أجمعين، كما رأى جبريل عليه السلام على صورته، ورأى البيت المعمور، وسدرة المنتهى، كما رأى الجنة، ونهر الكوثر، بالإضافة إلى رؤيته أهل النار، وعذابهم فيها، ومن أصناف أهل النار الذين رآهم في تلك الليلة ما يلي:

1. المغتابون: وهم المذكورون في هذا الحديث: ((لما عُرِجَ بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نُحاسٍ يخْمِشون وجوهَهم وصدورَهم، فقلتُ: من هؤلاء يا جبريلُ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحومِ الناسِ).(7)

  2. خطباء الفتن: وهم المذكورون في هذا الحديث:

((أتيتُ ليلَةَ أُسْرِيَ بي علَى رِجالٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُم بمقاريضَ من نارٍ قلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جبريلُ قال هؤلاءِ خطباءُ أمتِكَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ الناسَ بالبرِّ وينسونَ أَنْفُسَهُمْ وهم يَتْلُونَ الْكِتابَ أفَلَا يعقِلونَ)).(8)


3. أكلة الربا: وهم المذكورون في هذا الحديث: ((رَأَيتُ لَيلةَ أُسريَ بي رَجُلًا يَسبَحُ في نَهرٍ ويُلقَمُ ، فسَأَلتُ: ما هذا؟ 

 فقِيلَ لي: آكِلُ الرِّبا)).(9)

 4. خائن الأمانة: وهو المذكور في هذا الحديث: ((هو الرجل من أمتك، تكون عنده أمانات الناس، لا يقدر على أدائها، ويريد أن يتحمل عليها.)).(10)

5. الثيب الزاني: وهو المذكور في هذا الحديث: ((هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيب، فيأتي امرأة خبيثة، فيبيت عندها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا، فتأتي رجلا خبيثا، فتبيت عنده حتى تصبح.)).(11)

ملاحظات على تلك الأصناف من أهل النار:

1.إنهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أي المسلمين غير المشركين، وذلك كما هو واضح في إجابات جبريل عليه السلام (الرجل من أمتك).

2.إن جرائم أولئك الناس من الجرائم المتعدية، أي التي لا يقتصر ضررها على المجرم فحسب، بل يتعداه إلى الإضرار بالمجتمع.

 3. إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رآهم قبل أن يصل إلى سدرة المنتهى فيوحي له ربه كفاحاً بلا واسطة.

     وبما أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم مبعوث رحمة للعالمين ولإنقاذهم من النار، فسيتبادر إلى الذهن ما الذي سيفعله النبي صلى الله عليه وسلم لإنقاذ أولئك الناس من النار؟

      سنجد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد عاد إليهم بالعلاج والوقاية من السقوط في موارد الهلاك والنار، ألا وهو مجيئه إيَّاهم  بالصلاة، أعظم عبادة في الإسلام بعد نطق الشهادتين، وأساس صلاح وفلاح الناس في الدنيا والآخرة، ويؤكد هذا ما رواه الترمذي من "حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه إذا أنزل عليه الوحي، سمع عند وجهه كدوي النحل، وأنزل عليه يوماً، فمكثنا ساعة فيري عنه، فاستقبل القبلة، ورفع يديه وقال: ((اللهم زدنا ولا تنقصنا(وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا)، وأرضنا وارض عنا.)). ثم قال: ((أنزل علي عشر آيات، من أقامهن دخل الجنة))، ثم قرأ: {قد أفلح المؤمنون}(12)حتى ختم عشر آيات.".(13) والمقصود بقوله: ((من أقامهن)) أي أقام عليهنَّ، ولم يخالف ما فيهنَّ، وقد فرض الوضوء والحج بعدهنّ ، فدخل معهنَّ.(14)

والآيات العشرة هي: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ۝ وَالَّذِينَ هُم ْعَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ۝ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ۝ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُروجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ۝ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُون َ۝ وَالَّذِينَ همْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ۝ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ }(15)

ونلاحظ في هذه الآيات أنَّها اشتملت على الصفات الآتية:

1. وصفت المؤمنين بالفلاح.

 2. صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين هي: الخشوع في الصلاة، والإعراض عن اللغو، وتزكية النفس وأداء الزكاة، والحفاظ على الفروج من الزنا، وحفظ الأمانة، والمحافظة على الصلاة.

3.استحقاقهم الجنة بسبب المداومة على تلك الصفات.

4. هذه الصفات ابتدأت بالخشوع في الصلاة وانتهت بالمحافظة عليها.

5. تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على أنَّ من أقام على تلك الصفات دخل الجنة.

ويتضح مما سبق أن الصلاة دور كبير في الوقاية من تلك الجرائم التي رأى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابها يعذبون في النار، وقد جاء ذلك في قوله تعالى:

{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}(6)

يقول الزمخشري في تفسيره: "الصلاة تكون عطفاً في ترك المعاصي فكأنها ناهية عنها. فإن قلت: كم من مصل يرتكب ولا تنهاه صلاته؟ قلت: الصلاة التي هي الصلاة عند الله المستحق بها الثواب أن يدخل فيها مقدماً التوبة النصوح متقيا لقوله تعالى: {إنما يتقبل الله من المتقين}(17)ويصليها خاشعاً بالقلب والجوارح.".(18)

 ويتضح من هذا أنَّ الصلاة لا تكون ناهية عن ارتكاب الفحشاء والمنكر حتى يخشع فيها صاحبها ويخضع قلبه جوارحه لرب العالمين.

الخشوع في الصلاة:

      هنالك عدة تعريفات له، ومنها تعريف ابن القيم بأنه: "قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل.". كما عرفه الجنيد بقوله: "الخشوع تذلل القلوب اعلام العيوب.".(19) كما عرَّفه ابن رجب الحنبلي بأنه: "لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته.".(20)

وتلتقي كل هذه التعريفات في كون الخشوع تذلل ولين وخضوع قلب العبد أمواله. وهو من الأمور التي حث عليها الإسلام في الصلاة وأكد على أهميته فيها، وقد مدح الله تعالى المؤمنين بالخشوع في الصلاة: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون}(21)

كيف نحقق الخشوع في الصلاة:

      تتحدث كتب العلم الشرعي عن الأمور التي تحقق الخشوع في الصلاة، وقد قام أحمد مصطفى قاسم الطهطاوي محقق كتاب(الخشوع)  لابن رجب الحنبلي بجمع طائفة مما تفرق منها في كتب أهل العلم، ومنها:

1.إحضار القلب في الصلاة: حيث يقوم المسلم المصلي لإفراغ قلبه ما استطاع من أمور الدنيا، والتوجه بقلبه إلى ربه يناجيه، ويستحضر عظمته، وهذا أمر مرتبط بمدى ضعف إيمان المرء أو قوته، وعلى المسلم أن يجاهد نفسه في ذلك حتى يتحقق له الخشوع التام في صلاته.

2.التفهم لمعاني القرآن وأذكر الصلاة:

فيجتهد المسلم في صلاته بالتدبر والتفكر والتفهم لما يقرا من كتاب الله، وما يذكره من أذكار في صلاته، فيلاحظ في قوله (سبحان ربي العظيم) تنويه الله عن النقائص، وكذلك معنى الربوبية والعظمة المستوجبة للتسبيح، والذلة والانكسار له، فالتفكير في كل ذلك وتدبره مما يعين على الخشوع في الصلاة.

3. معرفة أنَّ الصلاة هدية العبد لربه: والإنسان يحرص بطبعه إلى إهداء ما هو حسن ومحبب إليه، فكيف إذا كان المُهدَى إليه هو ملك الملوك، وخالقه، فتجويد الهدية وتحبيرها أوجب.

4.إزالة كل ما يشوش خاطره في الصلاة: فلا يصلى وهو حاقن بوله، ولا بحضرته طعام وهو تائق إليه، ولكن هذا مقيد بعدم الخوف من خروج وقت الصلاة.

5.عدم الالتفات والنظر محل السجود: لأن الالتفات يفوت الخشوع، وقد تؤدي كثرته إلى إبطال الصلاة، فعلى المصلي أن ينظر موضع سجوده، فهو مما يعين المسلم على جمع قلبه وفكره بين يدي ربه.

6.تذكر قصص الخاشعين من السلف: والصحابة والتابعين قصص في الخشوع يفيد تذكرها في الاقتداء بهم في خشوعهم في الصلاة.(22) 

      كانت تلك سياحة مختصرة في ذكرى الإسراء والمعراج، وفي بعض مما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة، وما جاءنا به من هدى وعلاج لنا ووقاية من التردي في مواطن الهلاك والعذاب في النار، وقد أتانا بالصلاة، أفضل الأعمال وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى، نسأله أن يديم نعمه علينا، ويجعلنا من المحافظين عليها، والخاشعين فيها، وأن يتقبلها منا وسائر أعمالنا، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه، وهو مولانا نعم المولى ونعم النصير.

________________

(1)ابن منظور، لسان العرب، مادة(سرا)، جـ: ١٤، ص: ٣٨١.

(2) سورة المعارج: الآية: 4.

(3)ابن منظور، مادة عرج، ج: ٢، ص: ٣٢١.

(4) سورة الإسراء: الآية: ١.

(5) سورة النجم: الآية: (1-18)

(6)البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم: (٣٨٨٧)

(7) صحيح البخاري، حديث رقم(345).

(8)أخرجه أحمد (13445)، وأبو يعلى (3992)

(9)أخرجه أحمد (20101) واللفظ له، والحارث في ((المسند)) (736)، والروياني في ((المسند))

(10)رواه شعيب الأرنؤوط، في تخريج المسند، عن سمرة بن جندب، الصفحة أو الرقم: 20101، صحيح.

(11)مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، كتاب الإيمان، باب منه الإسراء، رقم ٢٣٥.

(12) سورة المؤمنون: الآية: 1.

(13) سنن الترمذي (٣١٧٣)، وأخرجه عبد الرازق في مصنفه(٦٠٣٨)، وأحمد (٢٢٣)، والنسائي في الكبرى (١٤٤٣)، والحاكم ٢/٣٩٢، وقال النسائي هذا حديث منكر، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

(14) القرطبيُّ، محمد بن أحمد بن أبي بكر، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: 1، 2006م، جـ: 15، ص: 6.

(15) سورة المؤمنون: الآية: (1-10).

 (16) سورة العنكبوت: الآية: ٤٥.

(17) سورة المائدة: الآية: ٢٧.

(18) الزمخشري، محمود بن عمر، تفسير الكشاف، ص: ٨٢٠.

(19) محمد لطيفي الصباغ، الخشوع في الصلاة، دار الوراق ودار السلام للنشر، الطبعة: 3، 1999م، ص: (15-16).

(20) ابن رجب الحنبلي، الخشوع في الصلاة، تحقيق: أحمد مصطفى قاسم الطهطاوي، دار الفضيلة،القاهرة، (بدون: تاريخ)، ص: ٢٩.

(21)سورة المؤمنون: الآية: (١-٢).

(22)ابن رجب الحنبلي، الخشوع في الصلاة، مقدمة المحقق، ص: (١٣-٢٧).

 

 

 

تعليقات

  1. الأمين عبدالقادر28 فبراير 2022 في 10:20 ص

    مقال اكثر من رائع تسلم ي قريبي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وظيفة الجملة في اللغة العربية

دور السياق في تحديد المعنى المراد من الجملة العربيَّة

سلسلة النظريَّات البديلة من نظريَّة العامل النحويِّ(3) (نظريَّة تضافر القرائن للدكتور تمَّام حسَّان)