سلسلة النظريَّات البديلة من نظريَّة العامل النحويِّ(2) (نظريَّة الدكتور مهدي المخزومي)
سلسلة النظريَّات
البديلة من نظريَّة العامل النحويِّ(2)
(نظريَّة الدكتور
مهدي المخزومي)
أ. محمَّدإبراهيم
محمَّدعمر همَّد محمود
مقدِّمة:
تُعَد هذه النظريَّة امتداداً طبيعيَّاً
أو نسخة مطوَّرة من نظريَّة (الأستاذ إبراهيم مصطفى)، وذلك لكونها تقوم على ذات
الأسس التي قامت عليها نظريَّة(الأستاذ إبراهيم مصطفى) من جانب، ومكمَّلة للقصور
الذي اعتراها من جانب آخر، وخاصة فيما يتعلَّق بدراسة الفعل المضارع واسم الفاعل،
وبناء على ذلك تستحق أن تفرد بالدراسة، وهذا ما سنحاول القيام به في هذا المقال-
إن شاء الله.
دواعي نشأة النظريَّة وأهدافها:
كان مهديٌّ المخزوميُّ على صلة فكريَّة بإبراهيم
مصطفى، حيث أنَّ الأخِر كان مشرفاً على الأوَّل في بحث الماجستير،(1) وقد تأثَّر مهديٌّ
المخزوميُّ بأفكار إبراهيم مصطفى وآرائه في تجديد الدرس النحويِّ، ويري مثله أنَّ الدرس
النحويَّ قد انحرف عن مساره الصحيح الذي خطَّه له الخليل وسابقوه، وذلك عندما حاول
سيبويه وتلاميذه التقعيد للنحو العربيِّ مستخدمين في ذلك مصطلحات ليست من اللغة في
شيء كالعامل والمعمول والعلة وغير ذلك من المصطلحات، والتي مهَّدتْ لدخول الفلسفة الكلاميَّة
في الدرس النحويِّ، وقد نتج عن ذلك انحراف الدرس النحويِّ عن أداء الوظيفة التي عُنِيَ
به من أجلها، فصار النحو مظهراً من مظاهر التحليل العقليِّ، يظهر فيه النحويُّ قدراته
التحليليَّة بما يفترضه من مشكلات، ثم اقتراح حلول افتراضيَّة لها، وقد كثرت المصنَّفات
النحويَّة من متون وموسوعات ومختصرات وشروح، إلا أنَّها لم تسهم في تطوير الدرس النحويِّ،
وذلك لأنَّها لم تكن إلَّا تكراراً لآراء السابقين. وعلى الرغم من أنَّ بعض المحدثين
حاولوا إصلاح النحو كإبراهيم مصطفى مثلاً، إلَّا أنَّ مهديَّ المخزوميَّ يرى أنَّ تلك
المحاولات لم تأتِ بجديد، ولم تصحّح القديم سوى تغير في المظهر وأناقة في الإخراج،
بينما ظلَّت القواعد النحويَّة وأمثلتها كما هي لم يطالهما التغيير والتجديد. لذلك
قرَّر مهديٌّ المخزوميُّ إصلاح هذا النحو بما يعيد له حيويَّته القديمة، فوضع من القواعد
والأصول
ما يصلح أنْ يكون بديلاً لذلك النحو القديم، وهو إذ يضع قواعده النحويَّة، فإنَّه يهدف
إلى تحقيق أمرين هما:
الأول:
تخليص الدرس النحويَّ من سطوة فكرة العامل عليه، وتنقيته مما علق به من شوائب فلسفيَّة
دخيلة، ما كان لها أنْ تتسرب إلى الدرس النحويِّ لولا فكرة العامل النحويِّ .
الثاني:
تحديد موضوع الدرس اللغويِّ، حتى يكون الباحث على هدىً من الأمر الذي يبحث فيه، وقد
عُيِّنَتْ نقطة البدء له ألا وهي الجملة، وذلك حتى يتفادى خطأ النحاة السابقين الذين
لم يحدِّدوا موضوع الدرس النحويِّ، ونتج عن ذلك أنَّهم فرقوا ما ينبغي أن يُجْمَعُ
في باب واحد، وجمعوا في الباب النحويِّ ما ينبغي تفريقه في أبواب مختلفة. ويري مهديٌّ
المخزوميُّ أنَّ الدرس النحويَّ ينبغي له أنْ يعالج موضوعين متكاملين لا يقبلان التجزئة
ولا التفريط في أيٍّ منهما، فالأول: هو الجملة من حيث التأليف والنظم وطبيعة أجزائها،
والآخَر: ما يطرأ عليها من معانٍ تؤديها أدوات التعبير فيها، كالتوكيد وأدواته مثلاً
، وكذلك النفي وأدواته، وغير ذلك من تلك المعاني العامة، والتي تنشأ عن ملابسات الكلام
ومقتضياته وسياقه القوليِّ.(3)
أصول نظريَّة مهديٍّ المخزوميِّ:
يعتمد مهدي المخزومي على ذات الأصول التي وضعها
أستاذه إبراهيم مصطفى، حيث يرى أنَّ الضمَّة
علامة الإسناد والكسرة علامة الإضافة والفتحة ليست علامة إعراب، وهي تدلُّ على أنَّ
الكلمة خارجة عن نطاقي الإسناد والإضافة. وقد ذكر أنَّ الضمَّة تأتي علامة للبناء وكذلك
الكسرة، أمّا الإعراب بالحروف فلا وجود له عند المخزوميِّ، فهذه الحروف تطويل للحركات،
أي أنَّ (الواو) ضمَّة طويلة، (والياء) كسرة
طويلة، و(الألف) فتحة طويلة.(4) وهذا رأي إبراهيم مصطفى من قبل.
ويتفق مهديٌّ المخزوميُّ في أشياء كثيرة(*) من
نظريّته مع استاذه إبراهيم مصطفى، إلا أنَّ ذلك لا يعنى أنَّ نظريته نسخة طبق الأصل
من نظريَّة إبراهيم مصطفى، بل تُعدُّ مكمِّلة لها في بعض الجوانب كإعراب الفعل والمثنى
مثلاً.
إعراب المثنَّى:
جرت العربيَّة في أوسع استعمال لها على رفع المثنى
بــ(الألف) وجرَّه ونصبه بــ(الياء)، ويرى مهديٌّ المخزوميُّ أنَّ الرفع بـــ(الألف)
وراءه سبب مقصود بالتدليل عليه ألا وهو التثنية، وبذلك لا تكون هذه (الألف) علامة للرفع، وإنَّما كان يفترض رفعه بالضمَّة مع
بقاء علامة التثنية (الألف) ، فلمَّا تعذَّر الاحتفاظ بهما معاً لم تلغَ الألف لأنَّها
علامة التثنية، فأُلْغِيْت الضمَّة علامة الأسناد، واستُخْدِمَ هذا البناء للمثنى في
الحالة التي يقع فيها مُسْنَدَاً اليه (مرفوعاً)، أمَّا في حالة الإضافة فـ(الياء)
فيه علامة الإعراب والتي هي مطل للكسرة، وابقيت
الفتحة قبلها للدلالة على علامة التثنية، واستُخْدِمَ هذا البناء – بناء المثنى في
حالة الإضافة – للدلالة على حالة النصب.(6)
إعراب الفعل المضارع:
يرى مهديٌّ المخزوميُّ أنَّ الأفعال كلَّها منيَّة،
وما يطرأ للفعل المضارع من تغيير في آخره فليس سببه تعاقب المعاني الإعرابية، وإنَّما
هو تعاقب للحركات لمعانٍ غير إعرابية كما في الفعل الماضي والذي يُفْتَحُ آخره كما
في: كتبَ، ويُضَمُّ آخره نحو: كتبُوا، ويُسْكَن آخره كما في: كتبْتُ. ولم يقل أحد من
النحاة بإعرابه،(5) ويفسِّر مهديٌّ المخزوميُّ
إعراب الفعل المضارع بأنّهَ تغيير يُرَاد به تمييز زمنه، لأنَّ المضارع يصلح
للحال والاستقبال، فإذا أُرِيْدَ له أنْ يدلَّ على الزمن الماضي اتصل في النفي بـــ(لم)
أو(لمَّا) فسكن آخِره، أما استعماله ماضياً في الإثبات فلم يبق له أثر، وقد زال بعد
شياع بناء (فَعَلَ). أمَّا إذا أُرِيْدَ تخليصه
للمستقبل سُبِقَ بـــ(أنْ) أو(لنْ) أو(إذنْ)،
وكذلك يدلُّ المضارع على الاستقبال إذا دخلت
عليه (السين) أو (سوف)، وبذلك يبقى من بناء الفعل المضارع (يَفْعَلُ) فيكون مجرداً
من تعيين الدلالة على الماضي، كما لم يُسْبَقْ
بأداة تخلِّص زمنه للاستقبال. وقد توصَّل مهديٌّ المخزوميُّ من كلِّ ذلك إلى ان تغيُّر
آخِر الفعل المضارع لم يكن بسبب دخول عوامل ناصبة أو عوامل جازمة عليه، وإنَّما هو
تغيُّر جاء استجابة لمعانٍ غير إعرابيَّة.(7)
إعراب الأفعال الخمسة:
وهي كلُّ فعل مضارع مُسْنَد إلى (ألف) الاثنين
أو (واو) الجماعة أو (ياء) المخاطبة، وذلك مثل: (يَفْعَلانِ، وتَفْعَلانِ، ويَفْعَلُونَ،
وتَفْعَلُونَ، وتَفْعَلِيْنَ)، وتُرْفَعُ بثبوت (النون)، وتُجْزَمُ وتُنْصَبُ بحذف(النون).
ويخالف مهديُّ المخزوميُّ النحاة في إعراب هذه الأفعال، إذ يرى أنَّها مبنيَّة، أي
تُعامَلُ معاملة الفعل المضارع عنده، ثم يُشارُ ما لفاعله من صفة العدد أو النوع. أمَّا
بقاء(النون) وحذفها فله تفسير آخَر عند مهديٍّ المخزوميِّ، إذ تُبْقَى (النون) للحفاظ
على علامات التثنية والجمع والتأنيث؛ لأنَّ أحرف اللين- الألف والواو والياء-عرضة للحذف
لو وقعتْ متطرِّفة، فبقاء (النون) وقاية لها من ذلك، وتُحذف هذه(النون) في حالتي الجزم
والنصب لانتفاء الحاجة إليها، أي انتفاء شُبهة أنَّها للمفرد((لأن الفعل إذا كان للمفرد
لم تضم فيه لام الفعل، فضمها دليل واضح أن الفاعل جماعة لا مفرد، لأن حق اللام، لو
كان الفاعل مفردا، ان تسكن، وما دامت اللام
مضمومة دل ذلك على أنها متبوعة بعلم الجمع .)).(8) ويقصد بهذا أنَّ هذه (النون)
تُحْذَفُ عندما تدلُّ (لام)الفعل على أنَّ الفاعل جمع بضمِّها.
الفعل الدائم:
ويقصد مهديٌّ المخزوميُّ بذلك بناء (فَاعِل)، إذ يجعله قسم من أقسام الفعل، وهو فعل لا دلالة له على زمن معيَّن
ما لم يكن على صله بمضاف إليه أو مفعول، وكان من حقِّه أنْ يُبْنَى كالأفعال، إلَّا
أنَّه يشبه الاسم في بعض الخصائص كالتعريف ولحاق التنوين به، الأمر الذي جعل العربيَّة
تعامله معاملة الأسماء في تحريك آخِره، وإنْ كان مخالفاً للأسماء في المعنى، حيث يدلُّ
على ما يدلُّ عليه بناء (يَفْعَل) من الدلالة على الزمن. وبما أنَّ هذا البناء-بناء(فاعل)-يأتي
مرفوعاً أحياناً نحو مجيئه في جملة: أقائمٌ الرجلان؟ إلا أنّه لا يُعتَبَرُ مُسْنَداً
إليه عند مهديٍّ المخزوميِّ بل هو فعل(مُسْنَد) ، والمُسْنَد إليه هو(الرجلان).(9)
تعريفه للجملة:
حدَّد مهديٌّ المخزوميُّ نقطة بداية الدرس النحويِّ
بدراسة الجملة، والتي تتكون من كلمة مؤلَّفة
مع غيرها في صورة من صور التعبير، والجملة عنده نوعان: جملة فعليَّة وهي: ((التي يدل
فيها المسند على التجدد، أو التي يتصف فيها المسند إليه بالمسند اتصافاً متجدداً، وبعبارة
أوضح، هي التي يكون فيها المسند فعلاً.)).(10) وجملة اسميَّة وهي: ((التي يدل فيها
المسند على الدوام والثبوت، أو التي يتصف فيها المسند إليه بالمسند اتصافاً ثابتاً
غير متجدد، أو بعبارة أوضح: هي التي يكون فيها المسند اسماً.)).(11) ووقفاً لهذا التقسيم
تكون مثل الجمل الآتية جملاً فعليَّة: طلعَ البدرُ والبدرُ طلعَ ، وكُسِرَ الزجاجُ.
وبهذا يرى مهديُّ المخزوميُّ أنَّه قد أسهم في تجنب المشكلات التي وقع فيها النحاة
عند اعتبارهم جملة: البدرُ طلعَ، جملة اسمية فافترضوا الفاعل ضميراً مستتراً يعود إلى
(البدر).
تفسيره لباب التنازع في العمل:
عدَّ مهديٌّ المخزوميُّ باب التنازع من الأبواب
المفتعلة في النحو العربيِّ، وقد افتعله النحاة لعرض مشكله كانوا هم السبب في وجودها
إذ منعوا اجتماع عاملين على طلب معمول واحد. وقد شغلوا بهذه المشكلة الدرس النحويَّ
زمناً طويلاً، وما كان لها أن تكون مشكلة لو أنَّ النحاة تعرَّضوا لهذا الموضوع على
أساس سليم من اللغة، فلغويَّاً لا مانع من تعدد الفعل في الجملة الواحدة، وذلك لأنَّ
الفعل مسند وقد سمح النحاة أنفسهم بتعدُّد مسند آخَر ألا وهو الخبر، وبتعدد المسند
لا يكون هنالك تنازع بين عاملين كما في جملة: دخلَ وجلسَ خالدٌ. فالجملة فعليَّة وفيها
فعلان وفاعلهما واحد، وهذا النوع من التنازع هو الذي تتفق فيه جهة اقتضاء الفعلين للفعل،
فكلا الفعلين يطلب الاسم المذكور في الجملة فاعلاً. وهنالك نوع آخَر من التنازع تختلف
فيه جهة اقتضاء الفعلين للاسم، فيطلبه أحدهما فاعلاً بينما يطلبه الآخَر مفعولاً وذلك
كما في قول الشاعر:
جَفُوْنِيْ وَلمْ أَجْفُ الْأخِلَّاءَ
إنَّنِي [الطويل]
لِغَيْرِ جَمِيْلٍ مِنْ خَلِيْلِيْ مُهْمِلُ(12)
ويرى
مهديٌّ المخزوميُّ أنَّ قول الشاعر(جَفُوْنِيْ
وَلمْ أَجْفُ الْأخِلَّاءَ) جملتان، الأولى منهما (جَفُوْنِيْ) جملة فعلية تتكون من
المسند (جَفُوْنِيْ) و(الواو) فيه علامة للجمع وليس مسنداً إليه فهي جملة فعليَّة خالية
من المسند إليه واستُغْنِي عن ذكره لوضوحه في ذهن السامع، فإذا بلغ جملة(وَلمْ أَجْفُ
الْأخِلَّاءَ)، عرف السامع الفعل وأدرك ما أشارت إليه (الواو) في (جَفُوْنِيْ) من قبل.(13)
تفسيره لباب الاشتغال:
وقد فسَّره مهديٌّ المخزوميُّ على أساس من تعريفه
لكلٍّ من الجملتين الفعليَّة والاسميَّة، فإذا كان الاسم المتقدِّم مرفوعاً فهو مُسْنَد
إليه نحو: عمروٌ لقيْتُه. وإذا كان الاسم المتقدم منصوباً فهو غير مُسْنَد إليه (غير
متحدث عنه)، والاسم مفعول به والضمير الهاء في (لقيْتُه) إشارة أو كناية عن المفعول
به وليس مفعولاً به.(14)
تقويم نظريَّة مهديٍّ المخزوميِّ:
سبق ذِكْرُ اتفاق مهديٌّ المخزوميُّ مع استاذه
في مواضع كثيرة من نظريتيهما، لذلك ينطبق على نظريته – فيما اتفق به مع استاذه – ما
وُجِّهَ لنظريَّة إبراهيم مصطفى من نقد، لذا منعاً للتكرار يمكن تقويم نظريَّته من
خلال ما تميَّزت به عن نظريَّة إبراهيم مصطفى من أفكار، وذلك من خلال ما يلي:
أولاً- تفسيره لإعراب
المثنى:
ويرى مهديٌّ المخزوميُّ أنَّ (الألف) فيه علامة التثنية، وليست علامة الإعراب، وإنَّما
علامة إعرابه في حالة الرفع الضمَّة المحذوفة، والكسرة في حالتي الجرِّ والنصب
مع
حذف علامة التثنية.(15) ويرى الباحث أنَّ هذا التفسير يتناقض مع تفسير آخر لمهديٍّ
المخزوميِّ يرى فيه أنَّ علامة التثنية لا يمكن التضحية بها، لذلك تُجلب لها (النون)
لوقايتها من الحذف كما في الأفعال الخمسة، وهو هنا يقول بحذف علامة التثنية مع وجود(النون)(**)التي
يمكنها أن تقيها من التعرض للحذف، كما إنَّ القول بحذف علامة الإعراب(الضمَّة) هو نوع
من الإعراب المقدَّر، وهو إعراب لم يوضَّح مهديُّ المخزوميُّ كيفيَّة معرفته، وكذلك
لا يصحُّ قوله بأنَّ الكسرة(الياء) هي علامة الإعراب فيه مطل للكسرة- لأنَّ هذه (الياء)
ليست إشباع لكسرة قبلها، حتى تكون مطلاً لها.
ثانياً- تفسيره لإعراب الفعل المضارع: حيث فسَّر مهديٌّ
المخزوميُّ تغيُّر آخِر الفعل المضارع بأنَّه تغيُّر ناجم عن تحديد زمن الفعل المضارع،
فإذا أُرِيْدَ به التعبير عن الماضي سُبِقَ بـ(لَمْ) أو(لمَّا) فسُكِّنَ آخره، أمَّا إذا أُرِيْدَ تخليصه للمستقبل سُبِقَ بـــ(أنْ) أو(لنْ) أو(إذنْ)، وكذلك يدلُّ المضارع على الاستقبال إذا دخلت عليه (السين)
أو (سوف).(16) ويرى الباحث أنَّ هذا التفسير غير مطَّرد في وصف حالات إعراب الفعل المضارع،
حيث يأتي المضارع مجزوماً غير دالٍّ على المضي، وذلك كما في الفعل المضارع المجزوم
بــ(لا) الناهية، أو (لام)الأمر، وهذا يعني أنَّ تحديد زمان الفعل المضارع بالمضي مع
النفي بـــ(لم) أو(لمَّا) ليس السبب الوحيد في جزم الفعل المضارع، وبذلك تكون قاعدة
جزم الفعل المضارع – الدلالة على المضي مع النفي – قاصرة عن تفسير الجزم في حالات أخرى
نحو جزم فعل الشرط وجوابه، وما عُطِفَ عليه أو على جوابه، وكذلك المضارع المجزوم في
جواب الطلب. كما انَّ قوله عن دخول أدوات مثل
(أنْ) و(لنْ) ، و(إذنْ) و(السين)، و(سوف) لتخليص الفعل المضارع للمستقبل قول صحيح،
إلَّا أنَّه لا يصحُّ الاستدلال به، لأنَّه يجعل من تحديد الزمن – بالنسبة للفعل المضارع
- دليلاً على تغيُّر العلامة الإعرابية على آخِره، وهذه الأدوات التي ذكرها يأتي الفعل
مع بعضهما مرفوعاً مثل: (السين) و(سوف )، ويأتي مع بعضها منصوباً مثل: (أنْ) و(لنْ)
و(إذنْ)، وهذا الاختلاف بين العلامتين –الفتحة والضمَّة-المشتركتين في تخليص الفعل
المضارع للمستقبل يحتاج إلى تفسير، وهو أمر لم يفسِّره مهديٌّ المخزوميُّ، ذلك وأنَّه
يجعل بقاء الفعل المضارع مرفوعاً دليلاً على صلاحيته للحال والاستقبال، وهذا يعني أنَّ
الضمَّة عنده تدلُّ على الاستقبال في الفعل المضارع أحياناً وعلى الحال والاستقبال
أحياناً أخرى، ويتضح من كلِّ ذلك أنَّ القول بدلالة الزمن في تفسير تغيُّر الفعل المضارع-
لا يصلح لتفسير ذلك لتناقضه وعدم اطِّراده.
ثالثاً- تفسيره لإعراب الأفعال الخمسة: وقد اعتبرها غير
معربة بثبوت (النون) أو حذفها، حيث فسَّر بقاء (النون) بوقاية علامات التثنية والجمع
والتأنيث في هذه الافعال من الحذف أو التقصير، أمَّا حذفها فيبرِّره بانتقاء الحاجة
إليها بزوال شبهة أنَّ الفعل للمفرد.(17) ويرى الباحث أنَّ هذا القول على ما فيه من
تعليل مقبول إلِّا أنَّه يرتبط بحالات معيَّنة،
وهي الحالات التي تُسْبَق فيها هذه الأفعال بأدوات معيَّنة مثل: (لمْ) أو(لنْ)، مما
يُعطي انطباعاً بأنَّ لهذه الادوات دوراً في ذلك، وهو الأمر الذي ينفيه مهديٌّ المخزوميٌّ.
رابعاً- اعتباره بناء (فَاعِل) فعلاً: حيث أنَّه يدلُّ
على ما يدلُّ عليه الفعل، و يفترض بناؤه إلا أنَّه يُحرَّكُ آخره لشبهه بالأسماء.(18)
ويرى الباحث إنَّ هذا يُظهر النظريَّة يناقض بعضها بعضاً، حيث تأتي الكلمة متغيِّرة
الآخَر رفعاً ونصباً وجرَّاً، فيُفسَّرُها مهديٌّ المخزوميُّ أحياناً بأن الضمَّة فيها للإسناد، والكسرة للإضافة، والفتحة لخروج الكلمة
عن نطاقي الإسناد والإضافة. وتأتي الكلمة متغيِّرة الآخر أيضاً بالرفع والجرِّ والنصب،
فيُفسَّرها أحياناً أخرى بأنَّ الضمَّة فيها لا تدلُّ على إسناد، ولا الكسرة فيها تدلُّ
على إضافة، ولا الفتحة فيها تدلُّ على الخروج عن نطاقي الإسناد والإضافة. كذلك لو صحَّ
أن يكون بناء(فَاعِل) فعلاً فإنَّه يلزم منه دخول الأدوات التي تدخل على الأفعال عليه
مثل: (لَمْ) و(لَنْ) على سبيل المثال، ولا يقول مهديٌّ المخزوميُّ بدخولها عليه.
خامساً- تفسيره لباب التنازع: بتعدد المُسْنَد
إذا اتَّفقت جهة اقتضاء الفعلين للاسم، والقول بطريقة الجملتين إذا اختلفت جهة اقتضاء
الفعلين للاسم، على أن تكون إحدى الجملتين خالية من المُسْنَد إليه لوضوحه وعدم الحاجة
إليه.(19) وهذا التفسير غير مقبول لكونه يتناقض مع حقيقة وجود الإسناد، إذ لا يكون
الإسناد إلَّا بوجود مُسْنَد و مُسْنَد إليه، فلابدَّ من مُسْنَد إليه سواء أكان مذكوراً
في الجملة أمْ لم يكن مذكوراً ويُفهم من السياق.
سادساً- تفسيره لباب الاشتغال: وقد فسَّره مهديٌّ
المخزوميُّ على أساس تعريفه لكلٍّ من الجملتين
الفعلية والاسمية، فاذا كان الاسم المتقدم مرفوعاً فهو مُسْنَد إليه نحو: عمروٌ
لقيْتُه، وإذا كان الاسم المتقدم منصوباً فهو
غير مُسْنَد إليه وإنَّما هو مفعول به.(20) ويرى الباحث أنَّ هذا التفسير غير شامل
لتحليل أجزاء الجملة، إذ يجعل من الاسم المتقدم المرفوع مُسْنَداً إليه ولا يوضَّح
المُسْنَد في الجملة، ولا يصحُّ أن يكون الفعل المذكور في الجملة هو المُسْنَد للاسم
المرفوع.
موقع النظريَّة من تحقيق أهدافها:
سعى مهديٌّ المخزوميُّ لإصلاح النحو العربيِّ من خلال نظريَّته، وقد وضع هدفين عمل على تحقيقها
حتى يتمُّ هذا الإصلاح النحويُّ، والهدفان هما:
الأول- تخليص الدرس النحويِّ من سطوة العامل: وكان ذلك عن طريق
اعتماده على الأصول التي وضعها إبراهيم مصطفى، وهى أصول أثبتت فشلها في الحلول بدلاً
من العامل النحويِّ. وبما أنَّ نظريَّة إبراهيم مصطفى كان ينقصها أمر جوهريٌّ هو دراسة
الفعل- فإن نظريَّة مهديٍّ المخزوميِّ سدَّت هذا النقص بدراسة الفعل وإيجاد تفسير لما
يطرأ على آخر بعضه من تغيير، إلَّا أنَّ ذلك التفسير لم يكن مُقنعاً، كما كان متناقضاً،
كما إنَّه لم يتطرَّق لإعراب الفعل المضارع المُعتلِّ الآخِر، ليعني كلُّ ذلك أنَّ
نظريَّة مهديٍّ المخزوميِّ قد عجزت أن تكون بديلاً للعامل النحويِّ، ولم تخلِّص الدرس
النحويَّ من سطوة العامل.
الثاني- تحديد موضوع الدرس النحويِّ: وقد حدَّده بدراسة
الجملة، واعتبرها نقطة الانطلاق، وذلك بدراسة
نظمها وطريقة تأليفها من جانب، ودراسة ما يعرض لها من معانٍ من جانب آخَر.
وهذا
الهدف وإن كان يثري الدراسة النحويِّة بطريقة جديدة لعرض المادة النحويَّة(طريقة الأساليب)،
إلا أنَّ هذه الطريقة لا يمكنها أنْ تغني عن الدرس النحويِّ التقليديِّ الذي يهتم بدراسة
ما يطرأ للكلمة من تغيير في ثنايا التركيب. وقد شاب تحقيق هذا الهدف شيء من القصور
في التطبيق مثل:
1.
تعريفاه للجملتين الفعليَّة والاسميَّة لا ينطبقان على بعض الجمل مثل الجملة الاسميَّة
الكبرى، وذلك كما في قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}(21) في هذه الآية الكريمة ورد لفظ (الشُّعَرَاء)
مُسْنَداً إليه(مبتدأ)، وجملة(يَتَّبِعُهُم الغاوُونَ) خبره، وهذه الجملة لا يمكن تحليلها
وفقاً لهذين التعريفين، فهي ليست جملة اسمية لأن المسند فيها ليس اسماً، وليست بجملة
فعليَّة لأنَّ الفعل(يَتَّبِعُهُم) ليس مُسْنَداً للاسم المذكور في بداية الجملة(الشُّعَرَاء)،
وهذا يعني أنَّ مثل هذه الجمل خارجة عن نطاق دراسة نظريَّة مهديٍّ المخزوميِّ.
2.
كما أنَّ هذين التعريفين لا يمكنهما تفسير بعض الجمل، وذلك كما في جملة: ﭐﱡﭐ ﲋ ﲌﲍ
ﲎ ﱠ(22) فهذه الجملة
في الآية الكريمة يصعب تصنيفها وفقاً لهذين التعريفين، فإن اعْتُبِرَتْ جملة فعليَّة
لأنَّ المسند فيها(شاكر) فعل عند مهديٍّ المخزوميِّ- فإنَّ ذلك يتناقض مع قوله عن الجملة
الاسميَّة:((هي التي يتصف فيها المُسْنَد إليه بالمسند اتصافاً ثابتاً.))،(23) وهذه
الجملة يتَّصف فيها المسند إليه لفظ الجلالة(اللهَ) بالمسند(شاكرٌ) اتصافاً ثابتاً،
وبذلك تتضح استحالة تصنيف هذه الجملة تحت أيٍّ من الجملتين دون أن يكون ذلك متعارضاً
مع الأساس الذي قام عليه تعريف الجملتين عند مهديٍّ المخزوميِّ.
3.
القول بوجود جملة خالية من المُسْنَد إليه في بعض المواضع، ولا وجود لجملة خالية منه،
وإن صحَّ ذلك جدلاً ففيه إدخال في الدرس النحويِّ مما لا علاقة له به، وذلك لأنَّ مهديَّاً
المخزوميَّ يجعل موضوع الدرس النحويِّ دراسة تأليف الجملة مع ما يطرأ لها من معنىً،(1)
فما الذي سيُدرس في هذه الجملة الخالية من التركيب؟
____________________________________
(1)
المخزوميُّ، مهدي، في النحو العربيِّ نقد وتوجيه، دار الرائد العربي، بيروت، ط:2،1986م،
ص: 5.
(2)
المصدر السابق، ص: (14-15).
(3)
المصدر نفسه، ص: (16-18).
(4)
نفسه، ص: (68-69).
(*)
اتفاقه مع إبراهيم مصطفى في إعراب التوابع، والخبر، والأسماء الستة، والممنوع من الصرف،
وتوحيد المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل تحت اسم المُسْنَد إليه، وكذلك اتفاقه معه في
طريقة الاستدلال على نصب اسم (إنَّ).
(5)
المخزوميُّ، في النحو العربيِّ نقد وتوجيه، ص: (90 – 91).
(6)
المصدر السابق، ص: 133.
(7)
المصدر نفسه، ص: 134.
(8)
نفسه، ص: 138.
(9)
نفسه، ص: (139-140).
(10)
نفسه، ص: 41.
(11)
نفسه، ص: 42.
(12)
البيت مجهول قائله، وهو من شواهد (شرح التسهيل). انظر: ابن مالك، محمد بن عبدالله،
شرح التسهيل، تــ: عبدالرحمن السيد، ومحمد بدوي المختون، دار هجر، القاهرة، ط: 1،
1990م، جــ: 2، ص: 170. وانظر: حداد، حنا جميل، معجم شواهد النحو الشعرية، دار العلوم،
الرياض،(طـ. د)، 1984م، ص: 533.
(13)
المخزوميُّ، في النحو العربيِّ نقد وتوجيه، ص: (162-168).
(14)
المصدر السابق، ص: (174-175).
(15)
المصدر نفسه، ص: (90-91).
(**)
هذه (النون) في المثنى تتعرض للحذف عندما يكون المثنى مضافاً ولم يفسِّر مهديٌّ المخزوميُّ
ذلك الحذف.
(16)
المخزوميُّ، في النحو العربيِّ نقد وتوجيه، ص: 134.
(17)
المصدر السابق، ص: 138.
(18)
المصدر نفسه ، ص: (139-140).
(19)
نفسه، ص: (162-168).
(20)
نفسه، ص: (174-175).
(21)
سورة الشعراء: الآية: 224.
(22)
سورة البقرة: الآية: 158.
(23)
المخزوميُّ، في النحو العربيِّ نقد وتوجيه، ص: 42.
(24)
المصدر السابق، ص: (17-18).
تعليقات
إرسال تعليق