أبنية مسائل الامتحان في كتاب (المُقْتَضَب) للمبرِّد

 أبنية مسائل الامتحان في كتاب (المُقْتَضَب) للمبرِّد

                               د. محمد إبراهيم محمد عمر هُمَّد 



مسائل الامتحان في (المُقْتَضَب)

     هي مجموعة من المسائل النحوية التركيبية أنشأها المبرِّد في كتابه (المُقْتَضَب) لامتحان طلابه في النحو،(1) ثم قام أبو القاسم الفارقي(391هـ) بتجميع تلك المسائل وشرحها في كتابه (شرح المسائل المُشْكَلَة في أوَّل المُقْتَضَب)، وقد بلغ عددها تسعة عشر مسألة،(2) وقد نصَّ المبرِّد على أنَّ الغرض منها اختبار المتعلم، والتأكد من إجادته لتطبيق القواعد النحوية على تلك المسائل، وقد قال عن ذلك: "ونقول في مسائل طوال يمتحن بها المتعلمون.".(3) كما ذكر أبو القاسم الفارقي غرضاً آخر لوضعها، ألا وهو صدُّ من لم يتبحَّر في علم النحو من التعرض إلى كتابه قبل إحكام أصول تلك المسائل، والتمكن من معرفة أحكامها، ومن لم يكن معه شيء من أصولها وأحكامها سينصرف عن قراءة الكتاب والتشاغل به، حيث أنَّه قد وضعه في وقت كان يتفاخر فيه بعض الناس بأنه قد قرأ كتاب سيبويه ونحوه، وليس له من قراءته سوى التكثُّر بالرواية، وليس له بالنحو دراية، وقد وضع المبرِّد هذه المسائل ليمنع أمثال هؤلاء عن التفاخر بقراءة (المُقْتَضَب).(4) ولا يتفق الباحث مع هذا الرأي؛ لوجود بعض الشواهد التي تشير إلى أنَّ الغرض من تلك المسائل حثُّ الدراسيين على الاهتمام بقراءتهم للكتاب عليه، وليس لصدِّهم عنه، هذا مع الإشارة إلى عدم اهتمام الدراسيين بالكتاب لانشغالهم بقراءة كتاب سيبويه، وبالإضافة إلى وجود تشابه بين الكتابَين، فكلُّ ذلك قد يجعل من إيراد تلك المسائل- التي لا نظير لها في كتاب سيبويه- غرضاً محتملاً لحضِّ الدراسيين على قراءة (المُقْتَضَب).    

طرق بناء المسائل

     بنى المبرِّد مسائله الاختبارية في جمل طويلة تتوالي فيها الكلمات المعربة، التي تتطلب معرفة الوجه الإعرابي الذي يقتضي بناءها على ذلك الشكل، وهذه الجمل الطويلة تمثِّل الصورة العامة لبناء تلك المسائل، ثم تختلف طرق البناء الخاصة لبعض المسائل عن بعضها الآخر، وبالجملة تُبنَى تلك المسائل على ثلاث طرق خاصة، الأولى بناء بعضها على وجه إعرابي محدَّد، والثانية بناء بعضها على عدَّة أوجه إعرابية محتملة، والثالثة بناء بعض المسائل على شقَّين يعتمد الشق الثاني منها في تركيب بنائه على الشق الأول.

بناء المسألة ذات الوجه الواحد

     يُبنَى هذا النوع من المسائل على وجه إعرابي واحد ولا يُحتَمَل فيها التعدَّد، وعلى المُختَبَر استخراج ذلك الوجه الذي استخدم في تركيب المسألة، ومن هذه المسائل المسألة الأولى، التي يقول فيها المبرِّد: "أعجبني ضربُ الضاربِ زيدا عبدَ الله.".(5)

خطوات الحل

     يقوم المبرِّد بذكر الجواب عن المسألة بإيجاز، فيبيِّن للمُمْتَحن الوجه الإعرابي المستخدم في تلك المسألة، فهو يُجيب عن المسألة السابقة بقوله: "رفعت(الضرب)، لأنَّه فاعل بالإعجاب، وأضفته إلى (الضارب)، ونصبت (زيدا)؛ لأنَّه مفعول في صلة الضارب، ونصبت (عبد الله) بالضرب الأوَّل، وفاعله الضارب المجرور.".(6) وهذا القول الموجز يمكن أن يقوم المبرِّد بشرحه عند تدريس الكتاب، ولكن لم يعد مجدياً بعد أن أصبحت تلك المسائل من المسائل المُشكَلَة التي تحتاج إلى الشرح والتوضيح فيما يتعلَّق بإجاباتها الموجزة، الأمر الذي جعل أبو القاسم الفارقي يؤلف فيها كتاباً يتوَّلى شرحها فيه، ويبسط القول في طريقة تركيبها، وحدود كل جزء من ذلك التركيب، وما يقتضيه من مطلوبات يقتضيها، وقد ذكر الفارقي أنَّ بناء تلك المسائل يقوم في الأساس على (المصدر) وما يقتضيه من صلة، و ما فيه (الألف واللام) التي معنى الذي، وما تقتضيه من صلة، (7) وبناء على ذلك يعتمد البحث في بيان المسائل وشرحها على استنباط خطوات حلِّ تلك المسائل من شرح الفارقي لها، بالإضافة إلى شروح غيره لمسائل مثلها، والخطوات هي:

الخطوة الأولى- تحديد الأصل الافتراضي للجملة: قد أشار ابن السراج(316هـ) إلى الأصل الافتراضي لنحو تلك المسائل، وذلك في قوله: "وتقول: (مررت بالدار الهادمها المصلحُ داره عبدُ الله) فقولك: (الهادمها) في معنى (التي هدمها الرجل الذي أصلح دارَه عبدُ الله).".(8) ظاهر هذا الكلام أن الأصل الافتراضي (للهادمها) (التي هدمها)، وأصل (المصلح) (الرجل الذي أصلح)، وهكذا الأمر في مثل هذه التراكيب. 

الخطوة الثانية- تحديد مطلوبات الأصل الافتراضي: هذه الخطوة مُستنبَطة ممَّا أشار إليه ابن الشجري (542هـ) في معرض حديثه عن مسألة مشابهة، والمسألة هي: "المُعْلِم والمُعْلِمُهُ زيدٌ عمراً خيرَ الناسِ إياه أنا.". وهذا جانب من اجابته عنها: "أن المعلم مبتدأ والمعلمه معطوف عليه، وهو يقتضي اسماً فاعلاً، ويقتضي التعدي إلى ثلاثة مفعولين...".(9) ظاهر كلامه أن (المعلمه) اسم فاعل من فعل متعدٍّ لثلاثة مفعولين وهذا يقتضي أن يكون له فاعل وثلاثة مفعولين. وهكذا الأمر في مثل هذه التراكيب والجمل التي وردت في مسائل المبرِّد.

الخطوة الثالثة- العمل: هو بيان كيفية عمل أجزاء ذلك التركيب بعضها في بعض. وهو ما قام أبو القاسم الفارقي بشرحه لتلك المسائل في كتابه، ويمكن البدء في تطبيق هذه الطريقة في هذه المسألة السابقة كما يلي:

1. تحديد البنية الافتراضية للجملة: الأصل الافتراضي للمسألة أعلاه هو: أعجبني أن ضرب الذي ضرب زيدا عبدَ الله.  

2. تحديد مطلوبات المكون الافتراضي: يتكوَّن الأصل الافتراضي أعلاه من: الفعل (أعجب)، 

ويطلب فاعلاً ومفعولاً، والمصدر (أن ضرب)، ويطلب فاعلاً ومفعولاً، و(الضارب) وفيه (الألف واللام) موصول ويطلب صلة.

3. العمل: يعمل كل عامل في معموله، وبناء على ذلك يعمل الفعل (أعجب) فيرفع الفاعل (ضرب) ومفعوله (ياء المتكلم)، ويعمل المصدر (أن ضرب) فيرفع فاعلاً هو (الضارب) ومفعولاً هو (عبدَ الله)، ويعمل (الضارب) فينصب المفعول في صلته (زيداً)، وبما أنَّه يجوز إضافة المصدر إلى معموله، فينتج عن ذلك تركيب (ضربُ الضاربِ) فيجرُّ (الضارب) على أنَّه مضاف إليه.(10) 

بناء المسألة ذات الوجهين

    هذا النوع من المسائل يُبنَى على وجود وجهين إعرابيين لبعض مكونات الجملة الاختبارية فيه، ويكون ذلك باحتمال الرفع والنصب في تلك المكونات، أو احتمال الرفع والجرِّ فيها، وذلك كما في 

المسألة الثانية، التي يقول المبرِّد فيها: "سرَّني والمُشْبِعَه طعامُك شَتْمُ غلامِك زيداً، بالنصب، والرفع(زيد) على ما تقدِّره، من أن يكون فاعلا،/ أو مفعولا.".(11) ويمكن حل هذه المسألة وفقاً للخطوات التالية:

1. الأصل الافتراضي: لهذه المسألة أصلان افتراضيان وفقاً لافتراض (زيد) المذكور في الجملة من كونه فاعلاً أو مفعولاً، فإذا افترض (زيد) فاعلاً، فيكون الأصل الافتراضي لها: 

  سرَّني والذي أشبعه طعامك شتمُ غلامك زيدٌ.، أما إذا افترض (زيد) مفعولاً به فيكون الأصل 

الافتراضي لها: سرَّني والذي أشبعه طعامك شتمُ غلامك زيداً.  

2. مطلوبات المكون الافتراضي:(سرّ) فعل متعدٍّ يطلب فاعلاً ومفعولاً به، وفاعله المصدر (شتم) الذي يحتاج إلى معمول وصلة، و (ياء المتكلم) مفعول الفعل (سرَّ)، و(المُشْبِعَه) معطوف على الضمير (ياء المتكلم)، وهو اسم فاعل يطلب فاعلاً ومفعولاً به، وبما أنَّه يحتوي على (الألف واللام) فهو موصول يحتاج إلى صلة، و(زيداً) اسم منصوب، وهو مطلوب معمولاً لبعض مكونات الأصل الافتراضي في الجملة.

3. العمل: يعمل الفعل (سَرَّ) فيرفع الفاعل (شتم)، و(ياء المتكلم) في محلِّ نصب على أنَّه مفعوله، و(المشبعه) معطوف على (ياء المتكلم) منصوب، وبما أن (شتم) مصدر مضاف، فينصب المفعول به (زيداً) وهو آخر صلته، و(غلامك) مضاف إليه مجرور، ويرفع اسم الفاعل (المشبعه) (طعامك) على أنَّه فاعله، والضمير (الهاء) في محلِّ نصب على أنَّه مفعوله، ويكون (المُشْبِعَه طعامُك) موصول وصلة. أما في الافتراض الآخر فيرفع (زيد) على أنَّه فاعل للمصدر (شتم) و(غلامك) مفعوله.(12) ومن المسائل ذات الوجهين المسألة الثالثة، التي يقول المبرِّد فيها: "ضَرْبَ الضاربِ عمرا المكرمَ زيدا أحبَّ أخواك".(13) ويمكن حل هذه المسألة وفقاً للخطوات التالية:

1. الأصل الافتراضي: أحبَّ أخواك ضَرْبَ الضاربِ عمراً المكرمَ زيداً.

2. مطلوبات المكون الافتراضي: الفعل (أحبَّ) وهو متعدٍّ يطلب مفعولاً هو(ضَرْبَ)، الذي هو مصدراً (أن ضرب)، يطلب صلة ومعمولاً، وهو أيضاً مضاف إلى (الضاربِ)، والذي يحتوى على (الألف واللام ) وهو موصول يطلب صلة وفيه اسم فاعل يطلب مفعولاً، و(المكرم) موصول يطلب صلة وهو اسم فاعل يطلب مفعولاً، كما أنَّه منصوب فهذا يعني أنَّه معمولاً في إحدى مطلوبات العوامل قبله.

3. العمل: يعمل الفعل (أحبَّ) فيرفع (أخواك) على أنَّه فاعل، و(ضَرْبَ) على أنَّه مفعولاً به، وبما أنَّ (ضَرْبَ) مصدر مضاف فهو يعمل النصب في (المكرم) على أنَّه مفعوله، ويجرُّ (الضاربِ) على أنَّه مضاف إليه، وبما أنَّه يحتوى على الموصول(الألف واللام) وهو اسم فاعل فهو يعمل النصب في (عمراً) على أنَّه مفعوله وهو صلته أيضاً، وبالعودة إلى معمول (ضرب) (المكرم) يُلاحظ أنّه يحتوى على الموصول(الألف واللام) وهو اسم فاعل فهو يعمل النصب في (زيداً) وهو صلته، يقول المبرِّد عن ذلك : "نصبت(الضرب) الأول بأحبَّ، وجررت (الضارب) بالإضافة، وعدَّيته إلى عمرو، ونصبت (المكرم) بالضرب الأول. والضرب الأول مُتعدٌّ...". ثم يطرح المبرِّد حلاً آخر لمن يجعل (ضَرْبَ) غير متعدٍّ، وذلك حيث يقول: " فإن أردت ألا تعديه قلت: ضَرْبَ الضاربِ المكرمِ زيدا أحبَّ أخواك. وهذا كله في صلة الضرب؛ لأنك أضفته إلى الضارب. وسائر الكلام إلى قولك (أحبَّ) متَّصل به.".(14) وبناء على هذا الرأي فسيكون الأصل الافتراضي للمسألة كما يلي: أحبَّ أخواك ضَرْبَ الضاربِ المكرمِ زيداً. فيكون (المكرمِ) نعتاً للضارب، وذلك بحذف معمول (الضارب)، ويكون (المكرمِ زيداً) صلة (الضارب)، بينما يكون(الضاربِ المكرمِ زيداً) صلة لـ(ضَرْب)..

المسائل ذات الأوجه الإعرابية المتعدِّدة 

تتميز بعض المسائل بتعدَّد أوجه إعراب كلماتها، ويطالب المختبر بتعديد الأوجه الإعرابية الممكنة لمفردات تلك الجملة الاختبارية، ومنها ما جاء في المسألة السابعة عشر حيث يقول المبرِّد: "إنَّ أَفْضَلَهُم الضاربَ أخاه كان زيدا.".(15)

خطوات الحلُّ: ذكر المبرِّد خمسة أوجه إعرابية لبعض كلماتها، والأوجه هي: بالنسبة (للضارب): النصب، وذلك على أنَّه صفة، على أن تكون جملة (كان) خبراً لإنَّ. والرفع على أنَّه خبر إنَّ، على أن يكون (زيد) بدلاً، و(كان) زائدة. وبالنسبة لـ(زيد) الرفع على أنَّه بدل، والنصب على أنَّه خبر (كان)، وبالنسبة (للأخ) الرفع، على أنَّه فاعل اسم الفاعل(الضارب).(16) واستطاع أبو القاسم الفارقي إن يصل بالأوجه الإعرابية الممكنة في المسألة إلى اثنين وعشرين وجهاً، وهذه قائمة بالأوجه الإعرابية- لبعض كلمات الجملة- التي ذكرها الفارقي:

أولاً- الأوجه الإعرابية بالنسبة لـ(أفضلهم) 

1. النصب على أنَّه خبر (إنَّ)، وهذا هو أظهر الوجوه.

2. النصب على أنَّه خبر (كان)، وهو متقدم عليها، ويكون في (إنَّ) ضمير الشأن.

3. الرفع على أنَّه مبتدأ، وخبره جملة (كان)، وفي (إنَّ) ضمير الشأن مضمر.

ثانياً- الأوجه الإعرابية بالنسبة (للضارب)

1. النصب على أنه صفة لــ(أفضلهم).

2. النصب على أنَّه خبر (كان)، وهو متقدم عليها.

3. النصب على أنَّه بدل من (أفضلهم).

4. الرفع على أنَّه صفة لـ(أفضلهم) عندما يكون مرفوعاً.

5. الرفع على أنَّه بدل من (أفضلهم) عندما يكون مرفوعاً.

6. الرفع على أنَّه خبر (لأفضلهم)، و (كان) زائدة، و (زيد) بدل من (أفضلهم) أو عطف بيان.(17)

ثالثاً- الأوجه الإعرابية بالنسبة (للأخ)

1. النصب على أنَّه مفعول الضارب، وهو داخل في صلته. 

2. النصب على أَّنَّه خبر (كان)، وهو متقدم عليها، بشرط رفع (زيد)، على أن تكون جملة (كان) خبراً لـ(أفضلهم).

3. النصب على أنَّه بدل من (الضارب)، ولا يكون من صلته على هذا الوجه.

4. الرفع على أنَّه فاعل (الضرب).

5. الرفع على أنَّه مبتدأ خارج صلة (الضارب)، بشرط أن يكون (أفضلهم) خبره جملة (أخوه كان زيداً)، ويكون (الضارب) صفة لـ(أفضلهم).

6. الرفع على أنَّه خبر (إنَّ)، ويكون (زيد) بدلاً منه، و(كان) زائدة.

7. الرفع على أنَّه بدلاً من (الضارب) في الوجه الذي يكون فيه (الضارب) مرفوعاً.

رابعاً- الأوجه الإعرابية بالنسبة لـ(زيد) 

1. النصب على أنَّه خبر (كان)، وهو أظهر الوجوه. 

2. النصب على أنَّه مفعول (الضارب)، و(أخوه) فاعله، و(كان) زائدة، ويكون بذلك في صلة (الضارب).

3. النصب على أنَّه بدل من (الأخ)، و(كان) زائدة.

4. الرفع على أنَّه اسم (كان).

5. الدفع على أنه بدل من (الأخ) و(كان) زائدة.

6. الرفع على أنَّه خبر (إنَّ) و(كان) زائدة.

7. الرفع على أنَّه خبر (الأخ) و(كان) زائدة، على أن تكون جملة (أخوه زيد) خبراً لـ(أفضلهم).(1)

ومن المسائل ما تعدَّد فيه الأوجه الإعرابية مع تعديل التركيب في بعض إجابات تلك المسائل، ومن ذلك ما جاء في المسألة الثامنة عشر، التي يقول فيها المبرِّد: "تقول: عبدُ الله زيدٌ الضارِبُه.".(2)

خطوات الحلُّ: هذه المسألة على بساطتها ظاهرياً هي من المسائل المتشعبة عند التحليل، وذلك بناء على تقدير لمن تكون (الألف واللام) في (الضارب) و(الفعل) لـ(عبد الله) أم لـ(زيد)، الأمر الذي يستدعي إعادة تركيبها في بعض أوجه تحليلها، وللمسألة أربعة أوجه للتحليل هي:

الوجه الأول- أن تكون (الألف واللام) والفعل لـ(زيد): بناء على هذا الوجه يمكن تحليل المسألة كما يلي:  

1. الأصل الافتراضي للجملة: عبدُ الله زيدٌ الذي ضربه.

2. مطلوبات المكون الافتراضي: يحتوي هذا الأصل الافتراضي على (عبدُ الله) مبتدأ، يطلب خبراً، والخبر جملة وتحتاج إلى ضمير يربطها بالمبتدأ.

3. العمل: عبد الله (مبتدأ) خبره جملة (الضاربُه زيدٌ)، و(الهاء) في (الضاربه) تعود إلى (عبد الله) وهو (المضروب). وهذا نظير قولك: هندٌ عمرو ضربها. ويكون (الضاربه) مبتدأ ثانٍ خبره(زيدٌ)، وبما أنَّ (الضارب) اسم فاعل ففيه ضمير فاعل يرجع إلى الألف و(اللام).

الوجه الثاني- أن تكون (الألف واللام) والفعل جميعاً لـ(عبد الله): بناء على هذا الوجه يمكن تحليل المسألة كما يلي:  

1. الأصل الافتراضي للجملة: عبدُ الله زيدٌ الذي ضربه هو.

2. مطلوبات المكون الافتراضي: يحتوي هذا الأصل الافتراضي على ثلاث مبتدآت وهي (عبدُ الله) و(زيد) و(الضاربه).

3. العمل: عبد الله (مبتدأ) خبره جملة (زيدٌ الضاربُه)، وفيها (زيد) هو المبتدأ وخبره جملة (الضاربه هو) وفيها (الضاربه) هو المبتدأ و(هو) الخبر. وبهذا يكون في الجملة الكبرى ثلاث مبتدأ (عبد الله) مبتدأ أول، و(زيد) مبتدأ ثانٍ، و(الضاربه) مبتدأ ثالث، ويكون الضمير(الهاء) المتصلة بـالضاربه هو الربط بين المبتدأ الثاني (زيد) وخبره جملة (الضاربه)، بينما يكون الضمير (هو) هو الرابط بين المبتدأ الأول (عبد الله) وخبره جملة (زيدٌ الضاربُه)، ويكون هذا نظير قولك: عبدُ اللهِ هندٌ ضربَها أبوه. ويكون الضمير في (الضاربه) هو العائد إلى الألف واللام، واجتلب الضمير (هو) ليكون خبراً للضاربه؛ لأنَّه اسم مفرد وقع بعد زيد وليس إياه.

الوجه الثالث- أن تكون (الألف واللام) لـ(زيد) و(ضارب) لـ(عبد الله): بناء على هذا الوجه يمكن تحليل المسألة كما يلي:  

1. الأصل الافتراضي للجملة: عبدُ الله زيدٌ الذي ضربه هو.

2. مطلوبات المكون الافتراضي: يشترك الأصل الافتراضي لهذا الوجه مع الأصل الافتراضي للوجه الثاني، ولكنه يختلف معه في تقدير التركيب، حيث يحتوي على جملة كبرى فيها مبتدآن، وهما (عبد الله) و(زيد).

3. العمل: عبد الله (مبتدأ) خبره جملة (زيدٌ الضاربُه)، وفيها (زيد) هو المبتدأ وخبره (الضاربُه) ويعود الضمير (الهاء) إلى الألف واللام، و(هو) الخبر. وبهذا يكون في الجملة الكبرى مبتدآن هما (عبد الله) مبتدأ أول، و(زيد) مبتدأ ثانٍ، ويكون الضمير (الهاء) هو الربط بين المبتدأ (عبد الله) وخبره جملة (زيد الضاربه)، ويكون الضمير (هو) إظهار للضمير المستتر في (الضارب)؛ لأنَّه اسم فاعل قد أُجرِيَ على من غير هو له.

الوجه الرابع- أن تكون (الألف واللام) لـ(عبد الله) والفعل لـ(زيد): بناء على هذا الوجه يمكن تحليل المسألة كما يلي:  

1. الأصل الافتراضي للجملة: عبدُ الله زيدٌ الذي ضربه هو هو.

2. مطلوبات المكون الافتراضي: يحتوي هذا الأصل الافتراضي على ثلاث مبتدآت وهي (عبدُ الله) و(زيد) و(الضاربه).(20)

3. العمل: عبد الله (مبتدأ) خبره جملة (زيدٌ الضاربُه هوهو )، وفيها (زيد) هو المبتدأ وخبره جملة (الضاربه هو هو) وفيها (الضاربه) هو المبتدأ، و(هو) الثانية الخبر، و(هو) الأولى إبراز لضمير الفاعل؛ لأنَّه أُجرِي لغير ما هو له، وبهذا يكون في الجملة الكبرى ثلاث مبتدآت، (عبد الله) مبتدأ أول، و(زيد) مبتدأ ثانٍ، و(الضاربه) مبتدأ ثالث، ويكون الضمير(هو) الأول هو الرابط بين المبتدأ الثاني (زيد) وخبره جملة (الضاربه هو)، بينما يكون الضمير (هو) الثاني هو الرابط بين المبتدأ الأول (عبد الله) وخبره جملة (زيدٌ الضاربُه هو هو)، و(الهاء) في الضاربه يعود إلى الألف واللام.(21) 

بناء المسألة ذات الشقين

      هذا النوع من المسائل يُبني على شقيَّن الأول منها يطلب أوجه التحليل التي تقتضي التركيب الجملة على النحو المذكور، أما الشق الآخر فيتعلَّق بالتركيب الذي يقتضي الإخبار عن بعض كلمات الجملة، أي بجعلها مبتدأ وجعل بقية التركيب خبراً لها، ومن ذلك ما جاء في المسألة التاسعة عشر التي يقول فيها المبرِّد: "سير بزيد فرسخان يومين. إن نصبتها نصب الظروف قلت فرسخين يومين.".(22) تتعدَّد أوجه تحليل هذا الشق من المسألة على ما فيها من ترتيب، وقد قدَّر الفارقي للمسألة مائة وستة وستين وجهاً لها مما يجوز ومما يمتنع ، إلا أنَّه استدرك وذكر أنَّ أصلها جميعاً يرجع إلى سبعة أوجه منها ستة أوجه جائزة ووجه ممتنع، والأوجه الجائزة هي: 

1. سير بزيد فرسخين يومين.

ويكون على هذا الأصل قد أقيم الجار والمجرور (بزيد) مقام الفاعل.

2. سير بزيد فرسخين يومان.

ويكون على هذا الأصل قد أقيم (يومان) مقام الفاعل. 

3. سير بزيد فرسخان يومين.

ويكون على هذا الأصل قد أقيم (فرسخان) مقام الفاعل.

يتضح مما سبق أن كلاً من (بزيد) (فرسخين) (يومين) يجوز فيه الرفع على إقامته مقام الفاعل، كما يجوز فيهما النصب على الظرفية بالنسبة (فرسخين) (يومين) ، وعلى موضع المفعول بحرف جرٍّ بالنسبة إلى (بزيدٍ)، هذا مع جواز الرفع في تلك الأوجه الممكنة بشروط بعدم رفع أكثر من واحد منهم في الوجه الواحد، لأنَّ الفعل في هذا التركيب لا يكون له أكثر من فاعل واحد.(23)

الشق الثاني- الإخبار عن أسماء المسألة:

1. الإخبار عن (الفرسخين): المسيران بزيد يومين فرسخان.

2. الإخبار عن (اليومين) بجعلهما ظرفين: المسير فيهما بزيد فرسخان يومان.

3. الإخبار عن (اليومين) بجعلهما اسمين على السعة: المسير هما بزيد فرسخان يومان.

4. جعل الإخبار عن الذي، وجعله للإخبار عن (الفرسخين): اللذان سيرا بزيد يومين فرسخان.

5. الإخبار عن الذي، وجعل (اليومين) ظرفاً: اللذان سير بزيد فيهما فرسخان يومان.

6. الإخبار عن الذي، وجعل (اليومين) مفعولين: اللذان سيرهما بزيد فرسخان يومان.(24)

وإذا سئل المُختَبَر عن الإخبار عن (بزيدٍ) تكون الإجابة (لا يجوز)؛ لأنَّه متصل بحرف، والحرف لا يُخبر عنه..(2)كانت تلك طرق بناء المسائل الاختبارية التي ذكرها المبرِّد في كتابه(المُقْتَضَب).  

   يتضح مما سبق أنَّ مسائل الامتحان في كتاب (المُقْتَضَب) هي مجموعة من المسائل النحوية التركيبية أنشأها المبرِّد في كتابه لغرض امتحان طلابه في النحو، ثم قام أبو القاسم الفارقي بتجميع تلك المسائل وشرحها في كتابه (شرح المسائل المُشْكَلَة في أوَّل المُقْتَضَب)، وقد بلغ عددها تسعة عشر مسألة، وتُعَدُّ هذه المسائل تطوراً للاختبارات النحويَّ التي كانت تطرح على طريقة (كيف تقول) ثم تُذكَر الجملة الاختبارية خالية من علامات الإعراب، فيقوم المُخْتَبَر بضبط أواخرها بعلامات الإعراب، وصارت عند المبرِّد تُعطَى مضبوطة بالعلامات الإعرابية، فيكون وجه الاختبار فيها بيان القواعد التي يُعتَمَد عليها في جعلها صحيحة نحوية على هذا الشكل، لذلك يمرُّ حلُّها عبر عدة خطوات افتراضيَّة تتم في ذهن المُخْتَبَر. وتتعدد مباني تلك المسائل التركيبية فتأتي في جمل طويلة تتوالي فيها الكلمات المعربة، التي تتطلب معرفة الوجه الإعرابي الذي يقتضي بناءها على ذلك الشكل، وهذه الجمل الطويلة تمثِّل الصورة العامة لبناء تلك المسائل، ثم تختلف طرق البناء الخاصة لبعض المسائل عن بعضها الآخر، وتُبنَى تلك المسائل على ثلاث طرق خاصة، الأولى بناء بعضها على وجه إعرابي محدَّد، والثانية بناء بعضها على عدَّة أوجه إعرابية محتملة، والثالثة بناء بعض المسائل على شقَّين يعتمد الشق الثاني منها في تركيب بنائه على الشق الأول.

  

___________________________

(1) المبرِّد، المُقْتَضَب، 1/ 161.

(2) الفارقيُّ، تفسير المسائل المُشْكِلَة في أوَّل المُقتضَب، مقدمة المحقق، ص16.

(3) المبرِّد، المُقْتَضَب، 1/ 161.

(4) الفارقيُّ، تفسير المسائل المُشْكِلَة في أوَّل المُقتضَب، ص 41- 42.

(5) المبرِّد، المُقْتَضَب، 1/ 151.

(6) المصدر السابق، 1/ 151- 152.

(7) الفارقيُّ، تفسير المسائل المُشْكِلَة في أوَّل المُقتضَب، ص56- 58.

(8) ابن السراح، الأصول في النحو، 2/ 158.

(9) ابن الشجري. أمالي ابن الشجري، 2/ 507. 

(10) الفارقيُّ، تفسير المسائل المُشْكِلَة في أوَّل المُقتضَب، ص 71.

(11) المبرِّد، المُقْتَضَب، 1/ 154.

 (12) الفارقيُّ، تفسير المسائل المُشْكِلَة في أوَّل المُقتضَب، ص81- 82.

(13) المبرِّد، المُقْتَضَب، 1 / 155.

(14) المصدر السابق، 1/ 155.

(15) المصدر نفسه، 4/ 120.

(16) نفسه، 4/ 121.

(17) الفارقيُّ، تفسير المسائل المُشْكِلَة في أوَّل المُقتضَب، ص393- 401.

(18) المصدر السابق، ص393- 401.

(19) المبرِّد، المُقْتَضَب، 4/ 123.

(20) الفارقيُّ، تفسير المسائل المُشْكِلَة في أوَّل المُقتضَب، ص403- 408.

(21) المصدر السابق، ص403- 408.

(22) المبرِّد، المُقْتَضَب، 3/ 106.

(23) الفارقيُّ، تفسير المسائل المُشْكِلَة في أوَّل المُقتضَب، ص412.

(24) المبرِّد، المُقْتَضَب، 3/ 106- 107.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وظيفة الجملة في اللغة العربية

دور السياق في تحديد المعنى المراد من الجملة العربيَّة

الأدب التفاعليُّ بين مؤيِّديه ومعارضيه