دور الدين الإسلامي في مكافحة كورونا

                              

 دور الدين الإسلامي في مكافحة كورونا


أ‌.     
محمَّد إبراهيم محمَّد عمر همَّد محمود

      مقدمة:

       درجت الدعاية العلمانية العالمية على التشدُّد  بشأن إبعاد الأديان بصورة عامة والدين الإسلامي

بصورة خاصة عن الحياة السياسية والمعاملات الاجتماعية، وذلك لاعتقاد  شائع في تلك الأوساط مفاده أنَّ التدين شأن شخصي ولا علاقة له في تحديد العلاقات السياسية، أو في تصريف شؤون الحياة اليومية للبشر، ولكن تلك الدعاوى لم تصمد على المحك عند أول اختبار وجودي يهدِّد وجود العنصر البشري على الأرض، فقد خفتت تلك الأصوات المعادية للتدين، وبدأت الأصوات الداعية إلى استجلاب بركات التدين تتعالى في أنحاء متفرقة من العالم، وهذه طائفة من تلك الأصوات: ترامب يدعو إلى فتح الكنائس والمساجد والمعابد في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، ويتوعد حكام الولايات بالتدخل الشخصي إذا استمرت تلك الولايات في إغلاق دور العبادة، وحجته في ذلك أنَّ هذه الدور تقدم خدمات كغيرها من المرافق العامة للدولة، وكذلك لأنَّ الدولة الآن في حاجة

إلى مزيد من الصلوات لا  إلى التقليل منها.(1)

      كما أعلن  الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش انضمامه إلى مبادرة الصلاة من أجل الإنسانية، والتي دعت إليها اللجنة العليا للأخوة الإنسانية العالمية، حيث ذكر في تغريدة له على تويتر: "أنضم إلى البابا فرنسيس، والإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر في دعمهما للصلاة من أجل الإنسانية في 14 مايو".(2)

وإذا تركنا تلك الدعوات التي كانت تعادي الدين سابقاً وتطلب معونته في الوقت الحالي، فأنَّه يتبادر إلى الذهن أسئلة عمَّا يمكن أن يسهم به الدين في هذا الوضع الكارثي التي تعيشه البشرية، وبالبحث في عقيدة الدين الإسلامي ومبادئه الاجتماعية العامة، وقواعده وسلوكياته وتعامله مع المرض والوقاية منه، سنجد جملة من الأمور التي تعين البشرية في هذا الوضع  الكارثي لانتشار الوباء.

قواعد الإسلام في الوقاية من المرض: 

     يحث الإسلام اتباعه على النظافة ويرغِّبهم فيها بأن يجعلها جزء من عقيدتهم، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الطهور شطر الإيمان)).(3) و والمراد بالطهور هنا التطهُّر، وهذا يعني أنَّ عملية إزالة الأوساخ والنجاسات قد أصبحت جزء من عقيدة المسلم، ولم يكتفِ الإسلام بذلك بل جعل الطهارة بالماء شرطاً لبعض العبادات، ولا تصحُّ بدونه أو بما يقوم مقامه إن تعذر العثور عليه أو في حال العجز عن استخدامه، وعملية الوضوء- التي يمارسها المسلم لخمس مرات في اليوم على الأقل- تسهم في الوقاية من الإصابة  بمرض كورونا(كوفيد-19)، وقد أوصت  منظمة الصحة العالمية بغسل اليدين بالماء والصابون وقاية من الإصابة بالمرض، بينما يغسل المسلمون أيديهم في الوضوء فقط خمس مرات في اليوم في الغالب، بالإضافة إلى غسلهم أيديهم قبل الأكل وبعده وعند الاستيقاظ من النوم، وبالجملة يتعهد الوضوء بالنظافة كل المنافذ في جسم الإنسان(الأنف، والفم) التي أمرت منظمة الصحة العالمية بغطائها بالأقنعة الواقية(الكمامة).كما أنَّ للإسلام مبادئ وقواعد أخرى لوقاية المجتمع من المرض، ومنها أنَّ الإسلام نهى المريض من مخالطة السليم، حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((لا يُوردن ممرَّض على مُصحٍّ)).(4) وهذا الحديث وإن كان في شأن الحفاظ على الحيوان من المرض، فإن العمل به في الحفاظ على صحة الإنسان أجدر وأنفع، وهو بالأساس من أجل مراعاة مصلحة الجماعة السليمة من المرض، وقد أوصت توجيهات منظمة الصحة العالمية مَنْ تظهر عليه أعراض مرض كورونا (كوفيد-19) من مخالطة الآخرين، كما أوصت أيضاً بالتباعد الاجتماعي خوفاً من تفشي المرض،(5) ولعل أعظم مبدأ شرعي يسهم به الإسلام في الحد من انتشار مرض كورونا(كوفيد-19) هو ما يعرف بالحجر الصحي، وذلك كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع  وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها فراراً منه.)).(6) بل شنَّع الإسلام الخروج من البلدة التي أصابها الطاعون، وعدَّ الخروج منها جريمة تشابه تولية الأدبار عند الزحف، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك: ((الفار من الطاعون كالفار من الزحف.)).(7) وفي هذا الحديث تشبيه يجسد مخاطر الخروج من البلدة التي أصابها الطاعون بسلوك إنساني سيء يعرض الجماعة البشرية  لخطر الفناء، ألا وهو الفرار عند لقاء العدو، فلو استُلهِمَتْ بلاغة هذا التشبيه بمقارنته بواقع تعامل البشرية اليوم مع خطورة مرض كورونا (كوفيد-19)- لوجد أنَّه ينطبق على الوضع الحالي إلى حد بعيد، فالبشرية اليوم في حرب مفتوحة مع المرض، وفرار بعض أفرادها وانتقالهم من بؤر تفشي المرض يشتِّت جهود البشرية ويعرِّضها لخطر الفناء، ويكون هذا بسبب خروج أولئك الأفراد من المواطن التي تتعرَّض للمرض، فيسهم في توسيع رقعة الحرب البشرية ضد الفيروس مما يعني في النهاية تعريض البشرية لخطر الفناء عند انهيار النظام الصحي في كل البلاد. وقد بدأت بعض الأصوات في الغرب تتعرَّف على الإسلام وشرائعه، كما صارت تؤكِّد على أحقيته وصلاحيته لتدبير أمر البشرية حتى في أدقِّ المسائل الصحية وأحدث النوازل والأمراض، ومن ذلك ما جاء في تقرير لصحيفة نيوزويك الأمريكية ذكر  فيه الطبيب كريغ  كونسيدين مزواجة الإسلام بين الجانب الروحي والأخذ بالأسباب في التعاطي مع الأمراض، وأنَّ النبي محمد هو أول من دعا إلى النظافة والحجر الصحي للوقاية من المرض على الرغم من أنَّه لم يكن خبيراً للأوبئة، وكان ذلك قبل 1300 سنة.(1)

       يتضح ممَّا سبق ذكره أنَّ الدين الإسلامي له من القواعد والأسس الصحيَّة التي تكفل لأتباعه التعامل مع هذا الوباء وغيره من الأوبئة الأخرى، وذلك من خلال تعاليمه وإرشاداته التي يذكّر بها أتباعه ويأمرهم باتباعها،  وهذا يؤكد في النهاية أنَّ الإسلام هو الدين الصحيح والصالح للبشرية جمعاء منذ ظهوره وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

______________________

(1) موقع بي بي سي بالعربية،"فيروس كورونا: ترامب يدعو لفتح دور العبادة" فأمريكا في حاجة إلى المزيد من الصلاة""، موقع بي بي سي بالعربية، تاريخ النشر: 23/5/2020م، تاريخ المشاهدة: 14/6/2020م، الرابط:

https://www.bbc.com/arabic/wor ld-52779997                                             

 (2) موقع صحيفة البيان الإماراتية، "الأمين العام للأمم المتحدة يعلن انضمامه للصلاة من أجل الإنسانية"، موقع صحيفة البيان الإماراتية، تاريخ النشر: 3/5/2020م، تاريخ المشاهدة: 10/7/2020م، الرابط:

https://www.albayan.ae/one- world/overseas/2020-05-03-1. 3848668

(3) مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، الطبعة: الأولى، (الرياض، دار طيبة للنشر، 2006م)، كتاب: الطهارة، باب: فضل الوضوء، حديث رقم: 223، ص: 121.

(4)محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، الطبعة: الأولى، (دمشق، دار ابن كثير للنشر، 2002م)، كتاب: الطب، باب: لا هامة، حديث رقم: 5771، ص: 1461. 

(5) موقع منظمة الصحة العالمية بالعربية، "نصائح للجمهور بشأن فيروس مرض كورونا (كوفيد- 19)"، موقع منظمة الصحة العالمية بالعربية، تاريخ النشر: بدون، تاريخ المشاهدة: 12/9/2020م، الرابط: 

https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public

 (6) محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، كتاب: الطب، باب: ما يذكر في الطاعون، حديث رقم: 5728، ص: 1451.

(7) أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، الطبعة: الأولى، (بيروت، مؤسسة الرسالة للنشر، 2001م)، مسند السيدة عائشة رضي الله عنها، حديث رقم: 26183، جـ:43، ص: 257.

 

(8) موقع سي أن أن بالعربية، "صحيفة أمريكية تثير تفاعلاً بتقرير عن النبي محمد وطريقة التعامل مع الوباء"، موقع سي أن أن بالعربية، تاريخ النشر: 21/3/2020م،  تاريخ المشاهدة: 15/6/2020م، الرابط:

https://arabic.cnn.com/world/a rticle/2020/03/21/prophit-moha mmad-coronavirus-newsweek-repo rt-social-reactions

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وظيفة الجملة في اللغة العربية

دور السياق في تحديد المعنى المراد من الجملة العربيَّة

الأدب التفاعليُّ بين مؤيِّديه ومعارضيه