المسيئون للرسول صلى الله عليه وسلم وكيفيَّة التصدِّي لهم

 


 

المسيئون للرسول صلى الله عليه وسلم وكيفيَّة التصدِّي لهم

                              محمد إبراهيم محمد عمر همد محمود          

مستخلص:

     يهدف هذا المقال إلى التعرٌّف على الأسباب التي تدفع بعض الغربيين  إلى الإساءة للنبي (صلى الله عليه وسلم)، مع التطرٌّق إلى الطرق والوسائل التي يمكن استخدامها للدفاع عنه (صلى الله عليه وسلم)، واستخدم المقال المنهج الوصفي التحليلي، وتوصل إلى نتائج مهمة منها: اختلاف الدوافع التي تجعل بعضهم يوجه إلى الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم ومنها: المال والسلطة والتعصب الديني، وكذلك اختلاف طرق ووسائل  التصدِّي لهؤلاء المسيئين: كالقنوات السياسية، والمقاطعة الاقتصادية، والدعاوى القانونية، والمناظرات، وإنشاء منظمة إسلامية  متخصصة في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم.

مقدِّمة: 

     بين حين وآخر تطالعنا وسائل الإعلام بتصريحات لبعض المستهزئين الذين يتطاولون فيها بالإساءة  لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، وحينها يهبٌّ المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ويتصدٌّون لتلك الاستفزازات والإساءات بتسيير المسيرات المناهضة، وإعلان دعوات المقاطعات الاقتصاديَّة للبلدان التي ظهرت فيها تلك الإساءات أو تمَّ الترويج فيها لمثل تلك الإساءات.ثم تخفت تلك الجهود شيئاً فشيئاً حتى تظهر بوادر هجمة أخرى فتُستنفَر الجهود كذلك تارة أخرى. وهنا يتبادر إلى الذهن أسئلة نحو: ما الغرض من تلك الهجمات المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم؟ ومن أكثر الناس إثارة لها؟ وما طرق التصدِّي لها؟

المسيئون للرسول صلي الله عليه وسلم:

     تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لكل أنواع الأذى الجسدي منه والنفسي، وسيرته العطرة حافلة بما تعرض له من أذية وسب من أصناف عدة من البشر شكلت الدعوة المحمدية خطراً يهدد وجودهم (على حسب فهمهم)، أو كانت الأذية والتعرض لصاحبها وسيلة للكسب المادي لهم، وهذا يعني قِدَم الجريمة جريمة الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها تأخذ في كل عصر طابع جديد لها، والمتتبع لهذه القضية سيلاحظ أن ثمة أصناف معينة من الناس هي التي تعهدت بأن تحمل  على عاتقها حظاً وافراً من تبني تلك الجريمة جريمة الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، والأصناف البشرية التي تولت كبر هذا الجرم هي:

1. الباحث عن المال: في عصرنا الحالي نجد بعض الناس يسلك هذا المسلك بطريقة غير مباشرة لجمع المال، فيتخذ من الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم وسيلة لجلب المال، وهذا ما حدث من صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية والتي نشرت رسوماً مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك نتيجة لما كانت تعانيه من ضائقة مالية، فحاولت الاستفادة من مناخ (الإسلام فوبيا) الذي يسيطر على مزاج الأوربيين بصورة عامة والفرنسيين بصورة خاصة، ولا شيء يصادف هوى في نفوس القوم وينفث عن أحقادهم ومخاوفهم أكثر من الإساءة للمبعوث بتلك الرسالة العالمية رسالة الإسلام ألا وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فحينها سيكون الإقبال كثيراً على تلك الوسيلة التي تنفث لهم عن مكنون صدورهم، وهذا هو الوتر الذي عزفت عليه صحيفة شارلي إيبدو بنشرها تلك الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم بدعوى حرية التعبير، وقد صار ذلك تكتيكاً تلجأ الصحيفة إليه كلما تراجعت نسبة مبيعاتها، فعلى الرغم من تعهد   مدير تحرير الصحيفة-والمالك لنسبة ٧٠٪ من أسهمها-بعدم نشر تلك الرسوم مجدداً في العام ٢٠١٥م، نجده يعيد نشرها في العام ٢٠٢٠م،(1) في محاولة واضحة منه لإنقاذ الصحيفة من الكساد، حيث سبق أن ارتفعت نسبة مبيعات الصحيفة من ثلاث ملايين نسخة إلى خمسة ملايين نسخة عقب حادثة الاعتداء عليها بسبب نشرها تلك الرسوم المسيئة في العام ٢٠١٥،(2)وهنا استغلت الصحيفة الفرنسية حالة الهوس العدواني لدى المجتمع الفرنسي لاستخلاص المال منهم عن طريق التعبير عن مخاوفهم وأضغانهم بتلك الوسيلة المبتذلة، لتصبح وشارلي إيبدو مجرد آلة لإفراز البذاءات مقابل الحصول على حفنة من المال. 

2. الباحث عن السلطة: سجل تاريخ الدعوة المحمدية نماذج من التعنت والرفض لتلك الدعوة لكونها تمثل تهديداً مباشراً لسلطات قائمة أصبحت تتخوف من أن تتأثر مراكزها من تعاليم الإسلام التي تدعو إلى المساواة والعدل والتسامح والتفاضل على أساس من الإيمان والتقوى، لذلك ناصبت الإسلام العداء وآذت النبي صلى الله عليه وسلم جسدياً ونفسياً،

والآن نجد أصنافاً من البشر يتعرضون بالسب والإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم بدعوى الحفاظ على البشرية من أتباع هذه الرسالة المحمدية، بينما السبب الأساس في ذلك هو الحصول على السلطة بأي ذريعة كانت، وخير مثال لذلك نجد أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بدأ حملته بالهجوم على الإسلام، مدعياً أن الإسلام يكره أمريكا،(3) وعلى الرغم من أنه لم يتجرأ على سب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه عيَّن  مايكل فلين مستشاراً للأمن القومي، والذي اشتهر بالإساءة إلى الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم، حيث يرى فلين أن الإسلام هو سبب تخلف المسلمين، هذا على الرغم من أنه يناقض نفسه بنفسه ويظهر جهله بتاريخ العرب والمسلمين إذ يعترف بأن العرب والمسلمين أسسوا حضارة إنسانية راقية قبل ألف سنة ولكنهم كفوا عن التطور بعد ظهور محمد(صلى الله عليه وسلم)،(4)  وكل من يعرف التاريخ الإسلامي يعلم أن النبي قد ظهر قبل ألف وأربعمائة سنة، وأن رسالته هي التي أرست دعائم تلك الحضارة التي تحدث عنها فلين وجهل تاريخها. ويلاحظ في طريقة ترامب وأعوانه أنهم يتبنون خطاً هجومياً صريحاً في التصدي

بالإساءة للإسلام ونبيه بدعوى الحفاظ على أمن وسلامة المجتمع الأمريكي، مستفيدين في ذلك من حالة (الإسلام فوبيا) التي بدأت تلقي بظلالها في الغرب، في وقت  يعمل فيه الإعلام الغربي على النفخ في بوقها وتضخيمها صباح مساء، وقد نجح ترامب في الوصول إلى السلطة عن طريق تلك الدعاوى الزائفة من غير أن يكون له أي مؤهل أو تاريخ سياسي يمهد له طريق الوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، كما حصل مايكل فلين على ذلك المنصب في حكومة ترامب على أساس من هجومه وإساءته للإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام.ويسير الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون على خطا ترامب في استخدام الهجوم على الإسلام ونبيه_ عليه السلام_ وسيلة للكسب السياسي، فهو يصرح بتصريحات معادية للإسلام، ثم يؤيد الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك من أجل التمهيد للانتخابات الرئاسية القادمة ٢٠٢٢م، والتي يواجه فيها زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، وقد وصف الباحث الإنجليزي إتش إيه هيلير_الباحث المشارك في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي_ تلك التصريحات بأنها محاولة للتمهيد للانتخابات القادمة، وذلك في بيئة سياسية شعبوية على حساب الأقلية المسلمة في فرنسا، ليعني كل ذلك في النهاية أن نظرية المؤامرة على المسيحيين البيض قد انتقلت من الهامش إلى الأحزاب اليمينية واليسارية في السياسة الفرنسية.(5) ويتضح مما سبق أن الفجور والمجاهرة بمعادية الإسلام أصبح وسيلة أساسية في الكسب السياسي، وأن القضاء على تلك الظاهرة الإجرامية أو الحد منها يتطلب من المسلمين المتواجدين في تلك الدول الحرص على التجمع وتشكيل لوبيات سياسية تتصدى بأصواتها الانتخابية لتلك الممارسات، وعلى الرغم من أن أثر ذلك قد يكون ضعيفاً في البداية ولكنه قد يصنع فارقاً على المدى المتوسط والبعيد، فيجعل من أصوات الأقليات المسلمة كتلة انتخابية يخطب المرشحين ودها، أو على الأقل سيحرصون على عدم معاداتها ومن التوقع أن يتحقق ذلك في تجمع الأقليات المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حرص المرشح الرئاسي الديمقراطي جون بايدن على استمالة المسلمين وكسبهم إلى صفه ضد ترامب

وسياساته المعادية للأقليات المسلمة، وقد استشهد بايدن بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).(6) ثم خاطب بايدن المسلمين الأمريكين بقوله: " عليكم أن تفعلوا ذلك في الانتخابات المقبلة"(7) وعلى الرغم من أنه لا يمكن التعويل كثيراً على تلك التصريحات حتى تصبح واقعاً ملموساً في الواقع السياسي، ولكنها تصلح لأن تكون مؤشراً جيداً  إلى أن كتلة الأقليات المسلمة في الولايات المتحدة قد بدأت تشكل رقماً فارقاً على أي مرشح أمريكي أن يضع في حساباته ضرورة استمالتها إلى صفه، كما أنها تعطي دافعاً للأقليات الإسلامية في بقية الدول الغربية أن تخطو خطا الأقليات الأمريكية المسلمة، وتترك التردد وتشارك في الحياة السياسية في تلك البلدان التي تعيش فيها، ولا تترك للمتطرفين والمعادين للإسلام ونبيه حق تقرير مصيرها وواقعها السياسي والاجتماعي والديني.

3. صاحب الأهواء المتمسَّح بالدين: ومن هؤلاء القس الأمريكي جيري فالويل، والذي وصف النبي صلى الله عليه بأنه رجل حرب وعنف، حيث قال:"أعتقد أن محمداً كان إرهابياً، لقد قرأت ما يكفي للمسلمين وغير المسلمين لكي أقرر أنه كان رجلاً عنيفاً ورجل حرب"،(8) وقد اعتذر فالويل عن ذلك وتذرع بأنه أجاب بإجابة خاطئة عن سؤال مفخخ لم يكن عليه الإجابة عنه، وأبدى احترامه للأديان وللمسلمين الصادقين الذين يحترمون القانون، وقد كان هذا الاعتذار بعد أن جرحت تصريحاته مشاعر المسلمين في جميع أنحاء الأرض،

وبعد أن أدت تلك التصريحات إلى اشتباكات بين المسلمين والهندوس في الهند مخلفة تسعة من القتلى وجرح ٩٠ آخرين.(9) ويجب الرد على أمثال هؤلاء بالمناظرات التي تفضح أكاذيبهم وتلفيقاتهم، وأن يستخدم في ذلك شهادات المنصفين من العلماء والمفكرين والمستشرقين الذين ألفوا الكتب عن الإسلام ونبيه، كما تجب مقاضاة هؤلاء المتعصبين وملاحقتهم قانونياً حتى يرتدعوا ويكفوا عن ذلك.

طرق ووسائل الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم:

      تكفل الله سبحانه وتعالى بحماية نبيه من كيد المشركين واليهود والمنافقين، وأنزل الله قرآناً يتلي إلى يوم القيامة دفاعاً عن نبيه الكريم، وهو القائل في شأنه جلَّ من قال:{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}(10) والله سبحانه وتعالى قادر على صرف قلوب أعداء نبيه عن الكيد له، وعقد ألسنتهم عن الولوغ في ذكره بالسب، كما هو قادر جلَّ شأنه على الانتصار لنبيه من كل فاجر وكافر وهو القائل جلَّ من قال: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}(11) لكل هذا لم ولن يكون النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى انتصار هذه الأمة له والدفاع عنه، ولكن الأمة الإسلامية هي التي بحاجة إلى الذود والدفاع عنه، فهو نبيها وقدوتها ومحبوبها، وهو الذي جعل  الله حبه شرطاً لاكتمال الإيمان، وليس أي حب وإنما أسماه وأغلاه (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين).(12) لذلك لا يمكن أن تسكت هذه الأمة عمَّن يشتم حبيبها ورسولها ثم تكون كاملة الإيمان، لذلك على الأمة الإسلامية جميعاً أن تهب للدفاع عنه صلى الله عليه وسلم، أفراداً وجماعات، رعاة ورعيَّة، كل

قدر طاقته واستطاعته، ومن الوسائل التي يمكن للأمة استخدامها في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي:

1. القنوات السياسية: تمتلك الدول الإسلامية والعربية علاقات سياسية مع تلك الدول التي يتعرض أفرادها أو بعض النافذين فيها للرسول صلى الله عليه وسلم بالسب، وقد تصدى بعض رؤساء الدول الإسلامية بالرد لمثل هؤلاء الشائنين، وقد نددت ١٣ دولة بتصريحات

 الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون، وذلك من خلال البيانات الرسمية،(13) ولكن مازالت تلك التنديدات الرسمية على أهميتها  غير كافية للرد على تلك الإساءات، ومازلت هنالك حاجة أكبر إلى تضافر الجهود في هذا الشأن بين الدول العربية والإسلامية، فبإمكان الدول الإسلامية والعربية الاستفادة من تلك العلاقات السياسية في كبح جماع أولئك الشائنين عبر سلطات بلادهم، بطرق عدة بدء من استدعاء سفراء تلك الدول ولومهم على ذلك وانتهاء بسحب سفراء الدول الإسلامية من تلك الدول، على أن يكون ذلك بتنسيق عالٍ بين الدول الإسلامية والعربية وبالتزامن في اتخاذ مثل تلك القرارات، كما يمكن للدول الإسلامية والعربية المطالبة والضغط على تطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم(٦٥/٢٢٤) بتاريخ ٢١/١٢/٢٠١٠م، والخاص بمناهضة تشويه صورة الأديان، والذي يحتوي في نصه دعوة الدول الأعضاء إلى اتخاذ التدابير الكافية لمكافحة  الحط من الأديان والتحريض على كراهيتها، على أن تتخذ الدول الأعضاء كل التدابير الممكنة لاستكمال أنظمتها القانونية، وإيجاد استراتيجيات فكرية وأخلاقية تمكن من مكافحة الكراهية والتحريض الدينيين.(14)

2. المقاطعة الاقتصادية: وذلك بإعداد قوائم للسلع والمنتجات التي تنتجها تلك الدول التي يتعرض فيها النبي صلى الله عليه وسلم للسب وتناصر شعوبها بعضها بعضاً في ذلك الجرم،

ومن ثم التوقف عن شرائها أو بيعها، وقد قام كثير من المسلمين بمقاطعة المنتجات الفرنسية عقب تصريحات رئيسها ماكرون في مساندته لصحيفة شارلي إيبدو في إساءتها للنبي صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى تصريحاته المعادية للإسلام، وقد قللت فرنسا من شأن تلك المقاطعة الاقتصادية حيث وصفت وزارة الخارجية الفرنسية حملة المقاطعة بالعبثية، ويجب أن تتوقف،(15) كما حاولت الصحف الكبرى في فرنسا الترويج لعدم الاكتراث لتلك المقاطعة، واصفة آثارها بأنها لا ترى بالعين المجردة، وذلك بغرض تطمين الشعب الفرنسي، والزعم بأن مهما يكن ما يحدث في العالم الإسلامي من أمر  فإنه لن يؤثر على الاقتصاد الفرنسي،(16) ولكن هنالك من يرى أن تلك المقاطعة الاقتصادية قد تأثر سلباً على الاقتصاد الفرنسي، حيث يرى رشيد أوراز_ الخبير الاقتصادي بالمعهد المغربي لتحليل السياسات_ أن الحملة قد تؤثر على البلدان المستقبلة للاستثمارات الفرنسية، كما تؤثر على الشركات الفرنسية أيضاً، والتي لم تختر تلك الدول إلا لوفرة الأيدي العاملة الرخيصة بها، وعلى الرغم من أن المقاطعة لن يكون لها تأثيراً اقتصادياً هائلاً إلا أنها قد تكون مؤثرة على المدى البعيد والمتوسط، خاصة إذ شملت المنتجات الغذائية والسيارات، في ظل سوق تنافسية شديدة تتوفر فيها البدائل لتلك الأصناف الفرنسية التي يتم مقاطعتها،(17) ولكن على الرغم من أنه من المبكر تقييم حجم أثر تلك المقاطعة على الاقتصاد الفرنسي، ولكن في الوقت الحالي يمكننا أن نلاحظ

أنه بدا للمقاطعة أثراً موجعاً أو مزعجاً على الأقل للنظام الفرنسي، حيث بدأت الخارجية الفرنسية في التخبط في تصريحاتها بخصوص المقاطعة فتصفها بالعبثية ومع ذلك تطالب بإيقافها، فلو كانت الخارجية الفرنسية متأكدة من عبثية تلك المقاطعة لما طالبت بإيقافها، وكذلك تروج الصحف الفرنسية لعدم رؤية آثار تلك المقاطعة بالعين المجردة، فما الذي يجعل تلك الصحف الكبرى تحفل بأثر لا يرى بالعين المجردة؟ كما أظهر الرئيس الفرنسي ماكرون تراجعاً طفيفاً عن موقفه من الإسلام ورأيه في الرسومات المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، حيث ذكر في لقاء له مع قناة الجزيرة القطرية أنه ليس ضد الإسلام، وإنما هو ضد الإرهاب الممارس كذباً باسم الإسلام، كما برر لرأيه في الرسوم المسيئة للنبي بأنه فهم خطأ، وصوّر كأنه يؤيد تلك الإساءة، ولكنه في الحقيقة هو مع حرية التعبير بالرسم والفكر،(18)

كما يجب أن يوضع في الحسبان أن هذه المقاطعة قد تمت بمبادرات فردية في الغالب، فلو أنها كانت بتنسيق من  تنظيمات ودول إسلامية نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم_ لكانت أكثر إيلاماَ وأثراً على الاقتصاد الفرنسي.

3. الوسائل القانونية: وذلك برفع الدعاوى القضائية على كل من يتعرض للنبي صلى الله عليه وسلم بالإساءة والاستهزاء، فليس من حرية التعبير الإساءة إلى المقدسات الإسلامية، والتي تجرح بالإساءة إليها مشاعر أكثر من مليار ونصف مليار مسلم على كوكب الأرض، وسبق أن حكمت محكمة إقليمية بالنمسا على سيدة نمساوية(47 عاماً) بالغرامة المالية 480 يورو وإلزامها بدفع تكاليف الدعوى، وذلك نظير إساءتها للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث نظمت تلك السيدة ندوتين عن زيجات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أيدت المحكمة الإقليمية الجنائية في فينا ذلك الحكم بتاريخ 15/2/2011م، ثم أيدت الحكم نفسه محكمة

الاستئناف في ديسمبر 2011م، وأخيراً أيدت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ذلك الحكم بقرار فحواه أن الإساءة للرسول محمد ليست حرية تعبير.(18) لذلك نتمنى أن يمضى مجلس حكماء المسلمين برئاسة شيخ الأزهر_ قدماً فيما صرَّح به من أنه يعتزم رفع دعوى قضائية على صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية، وذلك بتشكيل لجنة من الخبراء والقانونيين لرفع الدعاوى القانونية على تلك الصحيفة وعلى كل من يتطاول بالتعرض بالإساءة للإسلام ومقدساته.(19)

4. إنشاء منظمة عالمية للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم: وتعمل على القيام بالآتي: العمل على نشر الإسلام وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والاستفادة في ذلك من كل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة.وإعادة طبع ونشر كتب المفكرين والمستشرقين الذين أنصفوا  الإسلام ونبيه في كتاباتهم، بالإضافة إلى استكتاب الأقلام المنصفة والنزيهة في الغرب عن النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، وكذلك تنظيم المناظرات للرد على أولئك المسيئين وفضح جهلهم وأكاذيبهم.

الخاتمة: كان ذلك رصد لبعض أنواع المسيئين للنبي صلى الله عليه وسلم فمنهم: الباحث عن المال، والباحث عن السلطة، والمتعصب صاحب الأهواء، ويمكن التصدي لهؤلاء بطرق سياسية، وقانونية، واقتصادية، ودعوية.

____________________

(1) محمد أمين، "هكذا ندافع عن الرسول"، موقع صحيفة دار اليوم، تاريخ النشر: ١/١١/٢٠٢٠م، تاريخ المشاهدة: ٣/١٢/٢٠٢٠م ، الرابط:

https://daralmaref.com/2020/11 /01/محمد-أمين-يكتب-هكذا-ندافع- عن-الرسول/                    

(2) موقع دويتشه فيله بالعربية، " زيادة نسخ العدد الجديد من شارلي ايبدو إلى خمسة ملايين"، موقع دويتشه فيله بالعربيه، تاريخ النشر: ١٤/١/٢٠١٥م ، تاريخ المشاهدة: ٣/١٢/٢٠٢٠م، 

الرابط:

https://m.dw.com/ar/زيادة-نسخ- العدد-الجديد-من-شارلي-ايبدو-إل ى-خمسة-ملايين/a-18189166 (3) موقع صحيفة الشروق، "ترامب يهاجم الإسلام مجدداً: سنمنعهم من دخول أمريكا"، موقع صحيفة الشروق، تاريخ النشر: ١٠/٣/٢٠١٦م، تاريخ المشاهدة: ٥/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

 https://m.al-sharq.com/articl e/10/03/2016/ترامب-يهاجم-المسل مين-مجدداً-سنمنعهم-من-دخول-أمر يكا

(4) محمد عبد السلام، "ماذا قال مستشار ترامب عن النبي محمد والقرآن؟"، موقع عربي 21، تاريخ النشر: ٧/١٢/٢٠١٦م، تاريخ المشاهدة: ٥/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

https://m.arabi21.com/Story/96 5692 (5) موقع قناة الجزيرة، "فورن بوليسي: حديث ماكرون عن المسلمين في فرنسا يهدف لمنافسة اليمين المتطرف قبل انتخابات ٢٠٢٢"، موقع قناة الجزيرة، تاريخ النشر: ٩/١٠/٢٠٢٠م، تاريخ المشاهدة: ١٠/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

https://www.aljazeera.net/news /2020/10/9/فورين-بوليسي-ماكرون -ليس-قلقا-حول

(6) مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، حديث رقم: ٩٩.

(7) موقع روسيا اليوم بالعربية، "بايدن يستشهد بحديث للنبي محمد ويحث المسلمين الأمريكيين لمساعدته على هزيمة ترامب"، موقع روسيا اليوم بالعربية، تاريخ النشر: ٢٠/٧/٢٠٢٠م، تاريخ المشاهدة: ١٠/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

https://arabic.rt.com/world/11 36432-بايدن-يستشهد-بحديث-للنبي -محمد-ويحث-المسلمين-الأمريكيين -لمساعدته-على-هزيمة-ترامب-فيدي و/

(8) موقع بي بي سي بالعربية، "قس أمريكي: محمد إرهابي"، موقع بي بي سي بالعربية، تاريخ النشر: ٦/١٠/٢٠٠٢م، تاريخ المشاهدة: ١٠/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

http://news.bbc.co.uk/hi/arabi c/news/newsid_2304000/2304617. stm

 (9) موقع صحيفة الدستور، "شخصيات إسلامية رحبت بالخطوة واعتبرتها إيجابية: القس فالويل يعترف بخطئه ويعتذر"، موقع صحيفة الدستور، تاريخ النشر: ١٤/١٠/٢٠٠٢م، تاريخ المشاهدة: ٩/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

https://www.addustour.com/m/ar ticles/407785-شخصيات-اسلامية-ر حبت-بالخطوة-واعتبرتها-ايجابية- القس-فالويل-يعترف-بخطأه-ويعتذر

(10) سورة الحجر: الآية: 95.

(11) سورة التوبة: الآية: 40.

(12) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان، حديث رقم: 15.

 (13) موقع تي آر تي عربي، "بعد اتساعها في عدة دول.. كيف تؤثر حملة المقاطعة صورة فرنسا واقتصادها؟"، موقع تي آر تي عربي، تاريخ النشر: ٢٧/١٠/٢٠٢٠م، تاريخ المشاهدة: ٨/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

https://www.trtarabi.com/now/ب عد-اتساعها-في-عدة-دول-كيف-تؤث- ر-حملة-المقاطعة-على-صورة-فرنسا -واقتصادها-29673

(14) موقع منظمةالأمم المتحدة بالعربية، "قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة"، موقع منظمة الأمم المتحدة بالعربية، تاريخ النشر: بدون تاريخ، تاريخ المشاهدة: ٨/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

https://www.un.org/ar/ga/65/re solutions.shtml

 (15) موقع بي بي سي بالعربية، "حملة مقاطعة السلع الفرنسية: هل باتت شعوب العالم الإسلامي في مواجهة مع ماكرون؟"، موقع بي بي سي بالعربية، تاريخ النشر: ٢٦/١٠/٢٠٢٠م، تاريخ المشاهدة: ٨/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

https://www.bbc.com/arabic/int eractivity-54694287                                  

(16) موقع تي آر تي عربي، "بعد اتساعها في عدة دول.. كيف تؤثر حملة المقاطعة صورة فرنسا واقتصادها؟"، موقع تي آر تي عربي، تاريخ النشر: ٢٧/١٠/٢٠٢٠م، تاريخ المشاهدة: ٨/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

https://www.trtarabi.com/now/ب عد-اتساعها-في-عدة-دول-كيف-تؤث- ر-حملة-المقاطعة-على-صورة-فرنسا -واقتصادها-29673

(17)إسماعيل عزام، " تتعرض لحملة مقاطعة واسعة.. تعرف على صادرات فرنسا وأسواقها"، موقع دويتشه فيله بالعربية، تاريخ النشر: ٢٩/١٠/٢٠٢٠م، تاريخ المشاهدة: ٨/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

https://m.dw.com/ar/تتعرّض-لحم لة-مقاطعة-واسعة-تعرّف-على-صادر ات-فرنسا-وأسواقها/a-55421243 (18) موقع سي أن أن بالعربية، "هل استطاع ماكرون وقف حملات مقاطعة بضائع فرنسا بعد ظهوره على قناة عربية؟"، موقع سي أن أن بالعربية، تاريخ النشر: ٢/١١/٢٠٢٠م، تاريخ المشاهدة: ٨/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

  https://arabic.cnn.com/busin ess/article/2020/11/02/macron- french-products-interview

 (18) موقع صحيفة القدس العربي، "المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان: الإساءة للرسول محمد ليست حرية تعبير"، موقع صحيفة القدس العربي، تاريخ النشر: ٢٥/١٠/٢٠١٨م، تاريخ المشاهدة: ٦/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

https://www.alquds.co.uk/المحك مة-الأوروبية-لحقوق-الإنسان-الإ س/

   (19) موقع قناة الحرة، "مجلس حكماء المسلمين يعتزم مقاضاة شارلي إيبدو و" وكل من يسيء للإسلام""، موقع قناة الحرة، تاريخ النشر: ٢٧/١٠/٢٠٢٠م، تاريخ المشاهدة: ٦/١٢/٢٠٢٠م، الرابط:

   https://www.alhurra.com/ara bic-and-international/2020/10/ 27/مجلس-حكماء-المسلمين-يعتزم-م قاضاة-شارلي-إيبدو-وكل-يسيء-للإ سلام


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وظيفة الجملة في اللغة العربية

دور السياق في تحديد المعنى المراد من الجملة العربيَّة

الأدب التفاعليُّ بين مؤيِّديه ومعارضيه