الكناية في اللغة التِّگْرَايِتْ


 الكناية في اللغة التِّگْرَايِتْ

(مقال بلاغي مقارن)
أ‌.     محمَّد إبراهيم محمَّد عمر همَّد محمود
الكناية:
      وتعني في اللغة أن تتكلَّم بالشيء وتريد غيره، يقال: كنيت بكذا عن كذا، إذا تركت التصريح به.(1) أمَّا عند البلاغين فهي"لفظ أُرِيْدَ به لازم معناه  مع جواز معناه.".(2) ومن ذلكك قولهم"طويل النجاد" يريدون طويل القامة،، و"نئوم الضحى" يريدون أنها مترفة مخدومة، و"احمرَّ وجهه" يريدون أنه خجل.(3) ومنها فيي اللغة التِّگْرَايِتْ قولهم: أٝوْرٝوْ بِلَايَا. وترجمته: ثوبها واحد، ويراد بذلك: أنَّها فقيرة. وكذلك قولهم: گَطٝوْ قَمَّدَ. وترجمته: احترق وجهه. ويراد بذلك: أنَّه غَضِبَ.
أقسام الكناية:
      تقسَّم الكناية باعتبار المعنى المكني عنه إلى ثلاثة أقسام، وهي:
كناية عن صفة: ويذكر فيها صفة أو عدَّة صفات لها تلازم مع صفة أخرى.(4) ومنها قولل  النابغة الذبياني:
رِقَاقُ النَّعَالِ طَيِّبٌ حُجُزاتُهُم   
  يَحيُّونَ بالرَّيْحانِ يومَ السَّبَاسِبِ(5)
 ومنها في اللغة التِّگْرَايِتْ قول الشاعر حامد عبد الله(عنجه):
عَنْجَهْ لَإمِّرْ سِقْرَاتُوْ     
  قَابْلَتْ يِيْ كٝونْ كٝوْنَاتُو
عَبْدَ الله حَمَّدْ آدِمْ   
        لَكُبُوبْ بِتْكِتْ گٝوْمَاتُو
الترجمة: يرثي الشاعر أحد فرسان قبيلته، فيقول عنه: لقبه(عَنْجَه) والمعروف ، الذي لاا يرتد(قَابْلَتْ يِيْ كٝونْ) رمحه(كٝوْنَاتُو)، عبد الله حمَّد آدم القصير(لَكُبُوبْ) ذو الشورى(گٝوْمَاتُو) المقطوعة (بِتْكِتْ)، والمعنى أنَّه رامٍ ماهر يصيب رمحه عدوه، كما يعرف بالحزم وعدم التردد في الأمور فيقطع فيها بالرأي الصائب بسرعة.
 الشاهد في البيت الأوَّل: وصف الشاعر مرثيَّه بأنَّه لا يرتدُّ رمحه، وهذا كناية عن صفة المهارة في الرمي.        
كناية عن موصوف: ويذكر فيها صفة أو عدَّة صفات لها اختصاص ظاهر بموصوف معيَّن.(6) ومنهاما جاء في قوله تعالى: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ}.(7) ومنها في اللغة التِّگْرَايِتْ قولل الشاعر إبراهيم محمد علي (ود  گورَتْ):
حَاسِدْ دَلِيلْ لِگْبَأْ    
  مِنْ حِدَّگَاتْ إدࣹي
الترجمة: يتغزل الشاعر في محبوبته، وبعد أن يصف محاسنها، يدعو لها بأن لا تصيبها عين الحسود، ويدعو على الحاسد(حَاسِدْ) بان يكون ذليلاً(دَلِيلْ لِگْبَأْ)، فلا يصيب بعينه محبوبة الشاعر الأخيرة في الترتيب من بين أخوتتها(حِدَّگَاتْ إدࣹي).
الشاهد في هذا البيت: استخدم الشاعر تركيب(حِدَّگَاتْ إدࣹي) والترجمة الحرفية له(بقية اليد)، وأراد أن يقول أن محبوبته هي الأخيرة في الترتيب العمري من بين إخوتها، فالمعنى أنها هي من تبقى في يد أمها من الأبناء، ولازم المعنى أنَّها الأصغر سناً لذلك تبقت في يد أمها بعد تفرق إخوتها، وهذا التعبير كناية عن موصوف(آخر الأبناء).
       وهنالك ألفاظ تستخدم للكناية عن موصوفات محدَّدة في اللغة التِّگْرَايِتْ، ومنها: بَيتْ أمان، وترجمته: بيت الصدق، ويكنى به عن القبر، شـࣹـيدَلِيْ، وترجمته: ذات الشلخة، ويكنى به عن حبوب البن(القهوة)، بَعَلْ گَارْ، والترجمة: صاحب شأن، ويكنى به عن كلِّ من لا يُراد أن يذكر اسمه تصريحاً، و(حَبِلْ مِدِرْ) وترجمته(حبل الأرض)، ويكنى به عن الثعبان.  
كناية عن نسبة: ويراد بها إثبات صفة لموصوف معيَّن أو نفيها عنه، فيترك إثبات هذه الصفة أو نفيها عن الموصوف مباشرة، ويكون الإثبات أو النفي لتلك الصفة لشيء شديد الصلة والارتباط بالموصوف.(8) ومنها قول  أبي نواس:
فما جازهُ جودٌ ولا حَلَّ دُونَه   
ولكن يَصِيرُ الجُودُ حيثُ يَصِيرُ(9)
ومن الكناية عن نسبة في اللغة التِّگْرَايِتْ قول الشاعر إدريس محمد علي:
گَلـࣹـيْ بَنُّوْ تَحَدِّگُوْ    
دِيبْ لِتْوَالَبْ دِيبْ گادِمْ
                 گَلـࣹـيْ گَطَا تَهيِبُّوْ   
             سَبِّكْ مِسْلُوْ وَسَّاگِمْ
الترجمة: يتحدث الشاعر عن أحوال الدنيا مع الناس فيقسِّمهم صنفين: بعضاً(گَلـࣹـيْ) تتركه(تَحَدِّگُوْ) لوحده(بَنُّوْ) يتلفَّت(لِتْوَالَبْ) في(دِيبْ) الوادي(گادِمْ)، وبعضاً(گَلـࣹـيْ)  تعطيه(تَهيِبُّوْ) وجهها(گَطَا) فترحل معه(مِسْلُوْ) رحلة الصيف (َسَّاگِمْ) ورحلة الشتاء(سَبِّكْ). والمعنى: الناس صنفان، أحدهما غير محظوظ تتركه الدنيا لوحده يواجه صعوباتها، والآخر محظوظ تسير معه أينما سار وتقضي حوائجه صيفاً وشتاءً.
الشاهد في البيت السابق: كنَّى الشاعر عن صفة الحظ عند الإنسان المحظوظ بسير الدنيا في معيَّته في كلِّ وقت.
الكناية من حيث تقارب المعنيين أو بعدهما:
             تقسَّم الكناية وفقاً لهذا الاعتبار إلى قسمين هما:
كناية قريبة: يتقارب فيها المعنيان، حيث يكون الانتقال من المعنى المكني به إلى المعنى المكني عنه بلا واسطة، وذلك نحو (طويل النجاد)و(بعيدة مهوى القرط).
كناية بعيدة: يتباعد فيها المعنيان، حيث يكون الانتقال من المعنى المكني به إلى المكني عنه بواسطة، أو عدَّة وسائط.(10) ومن ذلك قولل  الشاعر عن اتصافه بصفة الكرم:
ومَا يَكُ فيَّ من عَيْبٍ فَإنِّي      
جَبَانُ الكَلْبِ مَهْزُولُ الفَصِيلِ(11)
ومن الكناية  البعيدة في اللغة التِّگْرَايِتْ قول إبراهيم محمد علي (ود گورَتْ):
چَـيْوَى لِتَالَيَا إبْ حسَّاتَا 
  نٝوْرِيتْ جَلَالْ عَدَّا وَسِنَّاتَا
الترجمة: يتغزَّل الشاعر في محبوبته فيصف شعرها فيقول: مجموعة من الأهل(چَـيْوَى)) يتبعها(لِتَالَيَا) بدهن شعرها(حسَّاتَا)، منيرة(نٝوْرِيتْ) جلال أهلها(عَدَّا) وأترابها(سِنَّاتَا). والمعنى أنَّ مجبوبته المنيرة الوجه يتبعها مجموعة من أهلها وعشيرتها بالزيت الذي تدهن به شعرها.
الشاهد في البيت الأخير: قوله(چَـيْوَى لِتَالَيَا إبْ حسَّاتَا)(مجموعة من الأهل يتبعونها بدهن شعرها) فيه كناية بعيدة عن غزارة الشعر وطوله، توصَّل لها بعدَّة وسائط هي: كثرة المرافقين الذين يحملون دهن الشعر تستلزم كثرة المواعين التي يحملونها، وكثرة المواعين تستلزم كثرة دهن الشعر الذي تحمله، وكثرة الدهن الذي تحمله تلك المواعين يستلزم كثرة وغزارة الشيء الذي سيدهن بهذا الدهن(شعر المحبوبة)، ونلاحظ فيما سبق ذكره أنَّ المعنيين قد تباعدا حتى كان الوصول من المعنى المكني به إلى المعنى المكني عنه بعدَّة وسائط.   
________________________
(1) ابن منظور، معجم لسان العرب، مادة (كني) جـ: 15، ص: 232.
(2) الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، ص: 241.
(3) بسيوني عبد الفتاح فيود، علم البيان، ص: 223.
(4) المرجع السابق، ص: 228.
(5) النابغة الذبياني، ديوانه،تـ: كرم البستاني، دار صادر، بيروت، 1963م، ص: 12.
(6) بسيوني عبد الفتاح فيود، علم البيان، ص: (226- 227).
(7) سورة القمر: الآية: 13.
(8) بسيوني عبد الفتاح فيود، علم البيان، ص: 230.
(9) الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، ص: 246
(10) بسيوني عبد الفتاح فيود، علم البيان، ص: 233.


(11) المرجع السابق، ص: 234.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وظيفة الجملة في اللغة العربية

دور السياق في تحديد المعنى المراد من الجملة العربيَّة

سلسلة النظريَّات البديلة من نظريَّة العامل النحويِّ(3) (نظريَّة تضافر القرائن للدكتور تمَّام حسَّان)