التشبيه في اللغة التِّگْرَايِتْ
التشبيه في اللغة التِّگْرَايِتْ
(مقال بلاغي مقارن)
أ. محمد إبراهيم محمد عمر همد محمود
علم البيان في اللغة
العربيّة:
البيان في اللغة العربيَّة يعني الوضوح
والإفصاح وما بُيِّنَ به الشيء من الدلالة وغيرها، ويقال: بان الشيء واستبان وتبيَّن بياناً اتضح فهو بيِّن،(1)
قال ابن ذريخ:
وللحبِّ آيات تبيِّن للفتى
شحوباً وتعري من يديه الأشاحم
شحوباً وتعري من يديه الأشاحم
أي تظهر له شحوباً.(2)
أما البيان اصطلاحاً فيعني عند البلاغيين:
"علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه."(3)
ويضم هذا العلم عدَّة مباحث مثل: التشبيهات، والمجازات، والاستعارات، والكنايات.
التشبيه:
التشبيه في اللغة يأتي بمعنى المماثلة، يقول
ابن منظور: "الشبَه والشبِيهُ: المثل، والجمع أشباه، وأشبَهَ الشيءُ الشيءَ
ماثله.".(4) ويقصد به
البلاغيون الدلالة على "مشاركة أمر لآخر في معنى"(5) بإحدى
أدوات التشبيه سواء أكانت ملفوظة أم
ملحوظة. وللتشبيه أربعة أركان هي:
1. المشبَّه: وهو الأمر الذي يراد إلحاقه بغيره.
2. المشبَّه به: وهو الأمر الذي يراد إلحاق غيره
به. ويسمى المشبَّه والمشبَّه به بطرفي التشبيه.
3. وجه الشبه: وهو المعنى الجامع الذي يشترك فيه
الطرفان ويكون في المشبه أعرف وأشهر منه في المشبه.
4. أداة التشبيه: وهي اللفظ الذي يربط بين
الطرفين ويدل على التشبيه.(6)
طرفا التشبيه من حيث
الحسيَّة أو العقليَّة:
بحث علماء البلاغة في طرفي التشبيه، فوجدوا
أنهما قد يكونان حسيَّين أو محسوسين أي من الأشياء التي تدرك بالحواس الخمس
الظاهرة: البصر، والسمع، والشم، والذوق، واللمس، وقد يكونان معقولَين أي من
الأشياء التي لا يمكننا إدراكها بالحواس الخمس، بل يكونان من الأشياء التي لها
معنى يدرك بالعقل كالعلم والشجاعة والكرم ونحو ذلك من المعاني التي تدرك بالعقل،
كما يدخل فيه الوهمي، ويقصد به الأشياء التي لا تدرك بالحواس الخمس، مع أنَّهل لو
أدركت لأدركت بالحواس الظاهرة كالغول والشيطان ونحو ذلك. كما يكون أحدهما حسيَّا
والآخر عقليَّاً.(7) ووفقاً لهذا الاعتبار يقسم التشبيه إلى أربعة
أقسام:
القسم الأول- تشبيه
محسوس بمحسوس: ومن هذا القسم قول الشاعر النابغة الجعدي:
كُهُولاً وَشُبَّاناً كأنَّ وُجُوهَهُمْ
دَنَانِيرُ مِمَّا شِيفَ في أرضِ قَيْصَرَا(8)
دَنَانِيرُ مِمَّا شِيفَ في أرضِ قَيْصَرَا(8)
ومن المحسوسات التي
تدرك بالبصر قول الشاعر إدريس ود أمير:
لَبَرْهَتَّ أنْيَابَا
إنْجـࣹـح گَابِيْ فَلَلِّمْ
الترجمة: يتغزل الشاعر في محبوبته، فيشبه بياض
أسنانها(أَنيَابا) وبريقه وإضاءته(بَرْهَت) بحجر المروة(إنْجـࣹـح) الذي تمَّ
تكسيره(گَابِيْ فَلَلِّمْ).
الشاهد في هذا البيت: أنَّ طرفي التشبيه فيه من المحسوسات
(لَبَرْهَتَّ أنْيَابَا)(ابيضاض أسنانها ولمعانه)- وهو المشبَّه، و(إنْجـࣹح
گَابِيْ فَلَلِّمْ)(حجر المروة المكسَّر)- وهو المشبَّه به، وكلاهما يدركان بحاسة
البصر.
ومن المحسوسات التي
تدرك بحاسة الشم قول الشاعر إبراهيم محمد علي (ود گورَتْ):
وَقِدُويْ لَتِنْفَاسَا
نَرْدَايْ هَنَنْ وَدَّي
الترجمة: يصف الشاعر محبوبته
أنفاسها(لَتِنْفَاسَا)الطيبة الرائحة (قِدٝويْ) بعود النرد(نَرْدَايْ) الذي يتصاعد
بخاره(هَنَنْ وَدَّي). والمعنى: أنَّ رائحة أنفاسها زكيَّة كالرائحة التي تتصاعد
من عود النرد عند احتراقه.
الشاهد في هذا البيت: أنَّ طرفي التشبيه فيه(وَقِدٝويْ
لَتِنْفَاسَا)( رائحة أنفاسها الطيبة)- وهو المشبَّه، و(نَرْدَايْ هَنَنْ
وَدَّي)(عود النرد الي تتصاعد أبخرته الزكيَّة الرائحة)- وهو المشبَّه به، وكلاهما
يدركان بحاسة الشم.
ومن المحسوسات التي
تدرك بحاسة الذوق قول الشاعر صالح حامد جعيف:
طَبِرْ گَبْأَ إگِلْنَا
لَمَاي دٝولْ سَتـࣹـيْنَا
الترجمة: يتحدث الشاعر عن تبدل طعم الأشياء في معرض
حديثه عن رثاء الشهيد البطل محمود حسب، بأنَّ الماء(لَمَايْ) صار(گَبْأَ)
كالصبر(طَبِرْ) عندما شربناه (دٝولْ سَتـࣹـيْنَا).
الشاهد في البيت
السابق: أنَّ طرفي
التشبيه فيه(لَمَايْ)(الماء) وهو المشبَّه، و(طَبِرْ)(الصِبْر) وهو المشبَّه به،
وكلاهما من الأشياء التي تدرك بحاسة الذوق.
القسم الثاني- تشبيه
محسوس بمعقول: ومنه قول القاضي التنوخي:
وكأنَّ النجومَ بينَ دجاها
سننٌ لاح بينهنَّ ابتداعُ(9)
سننٌ لاح بينهنَّ ابتداعُ(9)
ومثله في اللغة التِّگْرَايِتْ
قول الشاعر أحمد عثمان ود الشيخ:
أتَّكْرࣹيْنِيْ مِنْ
دَماتْ سِرَايْ إنْتِ وگٝوْمَاتْ
الترجمة: يخاطب الشاعر محبوبته، فيقول: أنقذيني
من فأنت
علاج وشورى. المعنى أنقذيني مما أنا أقاسيه من عذاب حبِّك فأنت دوائي وموضع
ثقتي واستشارتي فيما يخصُّ حياتي.
الشاهد في هذا البيت:
شبَّه
الشاعر محبوبته بالعلاج(سِرَايْ)، فالمشبَّه من الأشياء المحسوسة التي تُدْرَك
بالحواس، والمشبَّه به من الأشياء المعقولة التي لها تصور في العقل.
القسم الثالث- تشبيه
معقول بمحسوس: ومنه في العربيَّة قول
المتنبي:
وغَيْظٌ عَلَى الأيامِ كَالنَّارِ فِي الحَشا
ولَكِنَّه غَيْظُ الْأَسِيْرِ عَلَى القدِّ(10)
ولَكِنَّه غَيْظُ الْأَسِيْرِ عَلَى القدِّ(10)
ومثله في اللغة التِّگْرَايِتْ
قول الشاعر إدريس ود أمير:
فِتِّيْ حَطِينْ بَاقــࣹـعْ تَا
عَچِمْ بَنْ بَنْ كَافِلُّوْ
الترجمة: يقول الشاعر: الحب (فِتِّيْ) سلاح حادٌّ
(حَطِينْ بَاقــࣹـعْ تَا)يقسِّم العظم إلى قطع متفرقة(عَچِمْ بَنْ بَنْ
كَافِلُّوْ).
الشاهد في هذا البيت: أنَّ أحد طرفي التشبيه (فِتِيْ)(الحبُّ)-
وهو المشبَّه من الأشياء التي تدرك بالعقل، و(حَطِينْ بَاقــࣹـعْ)( سيف بتار) وهو
المشبَّه به، وهو من الأشياء التي تدرك بحاسة البصر.
القسم الرابع- تشبيه
معقول بمعقول: ومنه في العربيَّة قول أبي الطيب المتنبي:
رَضُوا بِكَ كَالرِّضَا بِالشَّيْبِ قَسْراً
َوقَدْ وَخَطَّ النَّوَاصِيَ وَالفُرُوعَا(11)
َوقَدْ وَخَطَّ النَّوَاصِيَ وَالفُرُوعَا(11)
ومثله في اللغة التِّگْرَايِتْ
قول الشاعر موسى صالح:
حِمَامْ گَبْأتْ فِتِيْكِ
يِيْ لِسَّارࣹيْ وِيِيْ نَسِّئْ
الترجمة: يخاطب
الشاعر محبوبته فيقول لها: مرضاً(حِمَامْ)
صار(گَبْأتْ)حبُّك(فِتِيْكِ)، لا(يِيْ)
يُعالج(لِسَّارࣹيْ) فيشفى منه، ولا(وِيِيْ) يقتل(نَسِّئْ) فيرتاح صاحبه.
الشاهد في هذا البيت: أنَّ طرفي التشبيه (فِتِيْكِ)(حبُّك)- وهو
المشبَّه من الأشياء التي تدرك بالعقل، و(حِمَامْ)(مرض)- وهو المشبَّه به، وهو
أيضاً من الأشياء التي تدرك بالعقل.
طرفا التشبيه من حيث
الإطلاق والتقييد:
قسَّم علماء البلاغة التشبيه من حيث تجريد
طرفيه أو تقييدهما إلى قسمين: تشبيه مطلق، وتشبيه مقيَّد، ويقصد بإطلاق طرفي
التشبيه ألَّا يكونا مقيَّدين بقيد يؤثِّر في صورة التشبيه، أمَّا التشبيه المقيَّد
فهو ما كان مقيَّداً بوصف أو إضافة أو بجارٍ ومجرور، شريطة أن يؤثر كلُّ هذا في
صورة التشبيه.(12)
إطلاق طرفي التشبيه: ومنه في العربيَّة قول الشاعر امرئ القيس:
وكَشْحٍ لطيفٍ كالجديلِ مُخَصَّرٍ
وساقٍ كأُنبوبِ السقيِّ المُذَلَّلِ(13)
وساقٍ كأُنبوبِ السقيِّ المُذَلَّلِ(13)
ومثله في اللغة التِّگْرَايِتْ
الشاعر قول الشاعر موسى صالح:
عِنْتَاتْ مَايْ تَبَاراتْ
حَمِيلْ طَلِّيمْ شَبِيْبَا
الترجمة: يتغزل الشاعر في محبوبته فيشبِّه
عينيها(عِنْتَاتْ) بماء(مَايْ) الأحواض الكبيرة(تَبَاراتْ) صفاء، وسبيب
شعرها(شَبِيْبَا) أسود(طَلِّيمْ) وناعم(حَمِيلْ).
الشاهد في هذا البيت: مجيء طرفي التشبيه(عِنْتَاتْ)و(مَايْ
تَبَاراتْ) مطلقان أي غير مقيَّدَينِ بوصف أو إضافة أو جار ومجرور مما يؤثِّر في
صورة التشبيه.
إطلاق المشبَّه
وتقييد المشبَّه به: ومنه في العربيَّة قول الشاعر ذي الرُّمَّة:
قفِ العيس في أطلال ميَّة فاسأل
رسوماً كأخلاق الرداء المسلسلِ(14)
رسوماً كأخلاق الرداء المسلسلِ(14)
ومثله في
التگرايت في قول الشاعر إبراهيم محمد علي
(ود گورَتْ):
أنْيَابْ كِمْ عِفُوْنَايْ
لَدهُوبْ بَاقِلْ ديْبَا
الترجمة: يصف الشاعر أسنان محبوبته فيقول: أسنان (أنْيَابْ) كما(كِمْ)
القندول(عِفُوْنَايْ) الذي فيه الدخن (لَدهُوبْ) نابت (بَاقِلْ) فيه(ديْبَا) أي
يحاكي جمال أسنانها جمال القندول الذي نبت الدخن به.
الشاهد في هذا البيت: أنَّ أحد طرفي التشبيه
(أنْيَابْ)(المشبَّه) قد جاء مطلقاً، أي غير مقيّد بشيء يؤثِّر في صورة التشبيه من
وصف أو إضافة أو جار ومجرور، بينما جاء
المشبَّه به (عِفُوْنَايْ) وقد قُيِّد بالوصف(لَدهُوبْ بَاقِلْ ديْبَا) فهذه
الجملة صفة لـ(عِفُوْنَايْ) المشبَّه به.
تقييد المشبَّه وإطلاق المشبَّه به: ومنه في العربيَّة قول الشاعر:
كأنَّ فجاجَ الأرضِ وهي عريضة
على الخائفِ المطلوبِ كفَّة حابلِ(15)
على الخائفِ المطلوبِ كفَّة حابلِ(15)
ومثله
في اللغة التِّگْرَايِتْ قول الشاعر
إبراهيم محمد علي (ود گورَتْ):
گِرْمَتْ حَكٝوْ بَارْهَتْ
مَشِگ وَهَتَمْتَمْ
الترجمة: يقول الشاعر: الجمال(گِرْمَتْ) بعد
البيضاء(حَكٝوْ بَارْهَتْ) سمجة وممجوجة(مَشِگ وَهَتَمْتَمْ). والمعنى أنَّ من يرى
جمال محبوبته سيصبح الجمال في عينيه سمجاً وممجوجاً في كلِّ شيء بعدها.
الشاهد في هذا البيت:
أنَّ أحد
طرفي التشبيه(گِرْمَتْ) وهو المشبَّه قد جاء مقيَّداً بـشبه الجملة(حَكٝوْ
بَارْهَتْ)، بينما جاء الطرف الآخر من التشبيه -(مَشِگ وَهَتَمْتَمْ) وهو المشبَّه
به- مطلقاً.
تقييد طرفي
التشبيه: ومنه في العربيَّة قول الشاعر القاضي عبد
الرحيم الفاضل:
والشمس من بين الأرائك قد حكت
سيفاً صقيلاً في يدٍ رعشاء(16)
سيفاً صقيلاً في يدٍ رعشاء(16)
ومن أمثلة تقييد طرفي التشبيه
في اللغة التِّگْرَايِتْ قول الشاعر إدريس ود أمير:
أَنَا إگِلْ أبَايـࣹـي شٝوْكَتْ لبع دِيبْ گَبَيْ
الترجمة: يفخر الشاعر بنفسه فيقول: أنا(أَنَا) لعدوِّي(إگِلْ
أبَايـࣹـي)، شوكةطين(شٝوْكَتْ لبع) في(دِيبْ) الطريق (گَبَيْ).
الشاهد في البيت السابق: مجيء طرفي التشبيه مقيَّدَين،
(أنا)(المشبَّه) مقيَّد بالجر والمجرور(لعدوِّي)(إگِلْ
أبَايـࣹـي)، و(شوكة) (شٝوْكَتْ) وهو المشبَّه به
مقيَّد بالطريق(دِيبْ گَبَيْ)، إذاً المعنى أنَّه لا يشبِّه نفسه بالشوكة
مطلقاً، ولكنه يشبِّه نفسه بالشوكة في الطريق لعدوِّه فقط.
تعدُّد أحد طرفي التشبيه:
إذا تعدَّد الطرف الأوَّل
(المشبَّه) سمي التشبيه تشبيه التسوية، ومنه قول الشاعر الوطواط:
صُدْغُ الحبيبِ وحالي كلاهما كالليالي(17)
ومثله في اللغة التِّگْرَايِتْ قول الشاعر إبراهيم محمد علي (ود
گورَتْ):
بِسٝوْتَا وَلَمِچْرِيْتَا كَيْمَا دٝوْلَّ فِگْرَتَا
الترجمة: يتغزل الشاعر في محبوبته، فيشبِّه وجهها(بِسٝوْتَا) وصدغها(لَمِچْرِيْتَا)
بالثريا(كَيْمَا) وقت خروجها(دٝوْلَّ فِگْرَتَا). والمعنى أنَّ وجهها وصدغها
المتعرِّقَينِ يتلألأن كالثريا حين خروجها.
الشاهد في هذا البيت: تشبيه الشاعر شيئن (بِسٝوْتَا) وَ(لَمِچْرِيْتَا)
بشيء واحد(كَيْمَا).
أمَّا إذا
تعدَّد الطرف الآخر(المشبَّه به) سمي التشبيه تشبيه الجمع،(18) ومنه
قول البحتري:
كَأنَّما يبْسِمُ عن لُؤلُؤٍ
مُنَضَّدٍ أو بَرَدٍ أو أقاحٍ(19)
مُنَضَّدٍ أو بَرَدٍ أو أقاحٍ(19)
ومثله في اللغة التِّگْرَايِتْ قول الشاعر إبراهيم محمد علي (ود
گورَتْ):
كَنَايْدٝومْ حَابَاتْ مَلْأتْ وقَرٝوتْ
بَدَنْ كَبْأَوْ كِمْ بِرْطِيْطٝوْ وَحَرٝوتْ
بَدَنْ كَبْأَوْ كِمْ بِرْطِيْطٝوْ وَحَرٝوتْ
الترجمة: يصف الشاعر ما حدث لأعدائه بعد المعركة فيقول: جنائزهم(كَنَايْدٝومْ)
ملأت(مَلْأتْ) (حَابَاتْ) جمع (حَابْ) وهو وعاء يُنسَج من الحبال ويستخدم لحفظ
ونقل الأمتعة، وهنا يقصد التوابيت، و(قَرٝوتْ) منطقة مرتفعة عالية، وصاروا(كَبْأَوْ)
عفناً(بَدَنْ) كنباتَيْ(بِرْطِيْطٝوْ) و(حَرٝوتْ)، وهما نباتان لكلٍّ منهما رائحة
عطنة لا تطاق. والمعنى: أنَّ الأعداد قد كثر فيهم القتل حتى امتلأت التوابيت
ومنطقة إجلائهم، وحتى تعفَّنت أجسادهم.
الشاهد في البيت: شبَّه الشاعر تعفّن جنائز أعدائه بشيئين هما: (بِرْطِيْطٝوْ)
و(حَرٝوتْ).
أقسام التشبيه:
يقسِّم علماء البلاغة التشبيه إلى عدَّة أقسام
وفقاً لاعتبارات محدَّدة، فمنها ما له علاقة بوجه الشبَّه، ومنه ما له علاقة بأداة
التشبيه، وغير ذلك من الاعتبارات.
أقسام التشبيه من حيث
ذكر وجه الشبه أو حذفه: وفقاً لهذا الاعتبار يقسَّم التشبيه إلى قسمين هما:
تشبيه مفصَّل: وهو ما ذكر فيه وجه الشبه،(20)
ومنه قول البحتري:
قُصُورٌ كالكَواكِبِ لامعاتٌ
يَكَدْنَ يُضِئْنَ للسَّارِي الظلامَا(21)
يَكَدْنَ يُضِئْنَ للسَّارِي الظلامَا(21)
ومثله في اللغة التِّگْرَايِتْ قول الشاعر محمد عثمان بلتوباي:
فِتِّيْ عَنْدَلْ سٝوْمَا
وَرِيدْ يِيْ دَرِّيَا
الترجمة: يصف الشاعر الهوى وعذابه، فيقول:
الحب(فِتِّيْ) حنظل(عَنْدَلْ سٝوْمَا) لا يسمح الحلق(وَرِيدْ) بمروره (يِيْ
دَرِّيَا).والمعنى: الحب طعمه كالحنظل لا يستساغ في الحلق.
الشاهد في هذا البيت:
شبه
الشاعر الحب(فِتِّيْ) بالحنظل(عَنْدَلْ سٝوْمَا) في عدم الاستساغة في الحلق
لمرارتهما، فذكر وجه الشبه(وَرِيدْ يِيْ دَرِّيَا).
تشبيه مجمل: وهو ما حذف منه وجه الشبه،(22)
ومنه قول الشاعر النابغة الجعديّ:
كُهُولاً وَشُبَّاناً كأنَّ وُجُوهَهُمْ
دَنَانِيرُ مِمَّا شِيفَ في أرضِ قَيْصَرَا(23)
دَنَانِيرُ مِمَّا شِيفَ في أرضِ قَيْصَرَا(23)
ومنه قول الشاعر صالح حامد جعيف:
بَرِقْ أَمْسَلْكُوُه
لَأفُوْهَا دُولْ سَحْقَ
الترجمة: يتغزل الشاعر في محبوبته، فيصف بياض
أسنانها وبريقه، فيقول: حسبته(أَمْسَلْكُوُه) برقاً(بَرِقْ) عندما (دُولْ)
ضحك(سَحْقَ) فوها(لَأفُوْهَا).
الشاهد في هذا البيت:
شبه
الشاعر أسنان محبوبته بالبرق، ولم يذكر وجه الشبه(اللمعان). لذلك جاء التشبيه
مجملاً لحذف وجه الشبه منه.
أقسام التشبيه من حيث
ذكر أداة التشبيه أو حذفها: وفقاً لهذا الاعتبار يقسَّم التشبيه إلى قسمين هما:
تشبيه مرسل: وهو ما ذُكِرت فيه أداة التشبيه،(24)
ومنه قول لبيد بن ربيعة:
وجَلا السِّيُولُ عَنِ الطِّلُولِ كَأنَّها
زُبُرٌ تُجِدُّ مُتُونَها أقْلامُهَا(25)
زُبُرٌ تُجِدُّ مُتُونَها أقْلامُهَا(25)
ومنه قول الشاعر
إبراهيم محمد علي (ود گورَتْ):
أنْيَابْ كِمْ عِفُوْنَايْ
لَدهُوبْ بَاقِلْ ديْبَا
الترجمة: يصف الشاعر أسنان محبوبته فيقول: أسنان (أنْيَابْ) كما(كِمْ)
القندول(عِفُوْنَايْ) الذي فيه الدخن (لَدهُوبْ) نابت (بَاقِلْ) فيه(ديْبَا) أي
يحاكي جمال أسنانها جمال القندول الذي نبت الدخن به.
الشاهد في هذا البيت: شبه الشاعر بياض أسنان محبوبته (أنْيَابْ)
بالقندول (عِفُوْنَايْ) الذي نبت به الدخن (لَدهُوبْ بَاقِلْ ديْبَا)، واستخدم في
ذلك أداة التشبيه(كِمْ) بمعنى(كَمَا).
تشبيه مؤكَّد: وهو ما حُذِفَتْ منه أداة التشبيه، ومنه
قول الشاعر:
هُمْ البحورُ عَطاءً حينَ تسألهمْ
وفي اللقاءِ إذا تلقى بِهِمْ بُهَمُ(26)
وفي اللقاءِ إذا تلقى بِهِمْ بُهَمُ(26)
ومنه قول الشاعر إدريس ود أمير:
فِتِّيْ حِبَالْ طِمْبَارَتْ
يِيْ بَاتُوْكَا إبْ إدَيْ
الترجمة: يشبِّه الشاعر الحب(فِتِّيْ)بأنَّه حبال
متينة يُخاطُ بها جوالات الذرة ونحوها (حِبَالْ طِمْبَارَتْ)، لا(يِيْ)
يقطعونها(بَاتُوْكَا) بالأيدي (إبْ إدَيْ). والمعنى أنَّ رباط الحبِّ عصيٌّ لا
يمكن قطعه، فهو أشبه حالاً بحبال المتينة التي لا تُقطَع إلا بآلة حادة.
الشاهد في هذا البيت:
شبَّه
الشاعر الحبَّ(فِتِّيْ) بالحبال المتينة(حِبَالْ طِمْبَارَتْ) في كونها عصيَّة على
القطع،فكما تقطع تلك الحبال إلا بآلة حادة فكذلك رباط الحبِّ، وحذف أداة التشبيه،
لذلك جاء التشبيه مؤكَّداً.
أقسام التشبيه من حيث
ذكر أداة التشبيه ووجه الشبه أو حذفهما: وفقاً لهذا الاعتبار يقسَّم التشبيه إلى
قسمين هما: تشبيه مرسل مفصَّل، وتشبيه بليغ.
التشبيه المرسل
المفصَّل: وهو ما
ذُكِرتْ فيه الأداة ووجه الشبه، مثل قول الشاعر:
العمرُ مثل الضيفِ أو
كالطيفِ ليس له إقامة
ومن التشبيه المرسل
المفصَّل في اللغة التِّگْرَايِتْ قول الشاعر إبراهيم
محمد علي (ود گورَتْ):
كَمْسَلْ حِبَال عَنْكَبُوتْ هَنْطَوَاطِلْ هِلـࣹـيكُوْ
الترجمة: يصف الشاعر حاله وهو يقاسى من عذاب الحب
فيقول: صرت مثل(كَمْسَلْ) حبال العنكبوت(حَابَالْ عَنْكَبُوتْ)
أتأرجح (هنطواطل هِلـࣹـيكُوْ) من النحافة بسبب الهوى.
الشاهد في هذا البيت:
جاء
الشاعر بأركان التشبيه كاملة في البيت، فهو المشبَّه، و(حِبَال
عَنْكَبُوتْ) هو المشبَّه به، و(كَمْسَلْ)(مثل)
هي أداة التشبيه، (هَنْطَوَاطِلْ هِلـࣹـيكُوْ) (التدلِّي بإهمال) هو وجه الشبه.
التشبيه البليغ: وهو ما حُذِفَتْ فيه الأداة ووجه الشبه،(27)ومنه
قول الشاعر لبيد بن ربيعة:
وهمُ رَبِيْعٌ للمُجَاوِرِ فيهمُ
والمرملاتِ إذا تَطَاوَلَ عَامُها(28)
والمرملاتِ إذا تَطَاوَلَ عَامُها(28)
ومنه في اللغة التِّگْرَايِتْ قول الشاعر حامد عبد الله (عنجه):
گِرَيْن گِيْمَايْ كَرَمْ شِگْلِلْ بَالِسْ لَاوِيتْ
الترجمة: يتغزل الشاعر في محبوبته فيصف شعرها،
فيقول: ضفائرشعرها(گِرَيْن) سحابة(گِيْمَايْ)
خريف(كَرَمْ) باردة (شِگْلِلْ) راجعة(بَالِسْ) وملتفة(لَاوِيتْ).
الشاهد
في هذا البيت: شبَّه الشاعر الضفائر بسحابة خريف متلبِّدة بجامع السواد
فيهما، ثم حذف أداة التشبيه ووجه الشبه، واكتفى بذكر طرفي التشبيه.
التشبيه الضمني: وهو تشبيه لا يذكر فيه طرفا التشبيه في
الصورة المعتادة، ولكن يلمحان ضمناً من التركيب والسياق.(29) ومنه قول
أبي الطيب المتنبي:
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الْهَوَانُ عَلَيهِ
مَا لِجُرْحٍ بميِّتٍ إيلَامُ(30)
مَا لِجُرْحٍ بميِّتٍ إيلَامُ(30)
ومن التشبيه الضمني في اللغة التِّگْرَايِتْ
قول الشاعر كمال عمر حجاج:
عِچَّتْ يِي
تْگَبِّئْ عِدالْ
إمْبَلْ قِشِنْ وَقَطْفَتْ
إمْبَلْ قِشِنْ وَقَطْفَتْ
أفوتو وِلَادْ سِميت
عامر مِنْ تَرْفَتْ
عامر مِنْ تَرْفَتْ
عَوْتـࣹـي يي ألَبْنَا
أسِكْ
مِيْ جِنْسَايْ تُوْ يِيْ تَرْفَتْ
مِيْ جِنْسَايْ تُوْ يِيْ تَرْفَتْ
الترجمة: يحذِّر الشاعر
قومه من الافتراق، ومن فخر كلِّ فرع من القبيلة بفرعه فيها فحسب، فيقول: لا(يِي)
تصير(تْگَبِّئْ) الشجرة(عِچَّتْ) ظلاً(عِدالْ) بدون(إمْبَلْ) غصن(قِشِنْ)
وورقة(َقَطْفَتْ)، لماذا(أفٝوْتٝو) تركت(تَرْفَتْ)
تسمية(سِمـࣹيت) عامر، ليس(يي) لنا(ألَبْنَا) نصر(عَوْتـࣹـي) حتى(أسِكْ)
تترك(تَرْفَتْ) مقولة: (ما جنسه؟) ( مِيْ جِنْسَايْ).
والمعنى: لا نصر
للقبيلة ولا مكانة مرموقة حتى يترك أبناؤها الافتخار بالفرع في القبيلة دون الأصل
والاسم الجامع للقبيلة(بني عامر).
الشاهد
في الأبيات أعلاه: والمعنى شبَّه القبيلة في حال اجتماعها بجميع فروعها بحال الشجرة التي اجتمعت أغصانها وأوراقها
فجعلت منها ظلاً ظليلاً.
التشبيه المقلوب:
وهو التشبيه الذي يُجعَل فيه المشبَّه
مشبَّهاً به، بإدعاء أنَّ وجه الشبه فيه أقوى،(31)ومنه قول الشاعر
البحتري:
كَأنَّ سَنَاها بالْعَشِيِّ لِشَربِهَا
تَبَلُّجُ"عِيسَى" حِينَ يَلفُظُ بالْوَعْدِ (32)
تَبَلُّجُ"عِيسَى" حِينَ يَلفُظُ بالْوَعْدِ (32)
ومن التشبيه المقلوب
في اللغة التِّگْرَايِتْ قول إبراهيم محمد علي
(ود گورَتْ):
وگطَا لَبَانَاهُوْ وَرࣹحْ
يِيْ عَادِلَّاْ
الترجمة: يتفنَّن الشاعر في وصف محبوبته فيقول: لمعان(لَبَانَاهُوْ) وجهها(گطَا) لا(يِيْ) يعادلها(عَادِلَّاْ) القمر(وَرࣹحْ). والمعنى: وجهها
أشدُّ لمعاناً من القمر.
الشاهد في هذا البيت: جعل الشاعر ممَّا يُفترَض أن يكون مشبَّهاً-
مشبَّهاً به، باعتبار أنَّ وجه الشبه فيه أقوى، فهو يرى أنَّ وجهها أشدُّ لمعاناً
من القمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ابن منظور، محمد
بن مكرم، معجم لسان العرب، دار صادر، بيروت، (ت.د) ، مادة(بين) جـ: 13، ص: 81.
(2) بسيوني عبد
الفتاح فيود، علم البيان، مؤسسة المختار للنشر، القاهرة، ط: 4، 2015م، ص: 13.
(3) الخطيب القزويني،
الإيضاح في علوم البلاغة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: 1، 2003م، ص: 163.
(4) ابن منظور، معجم
لسان العرب، مادة(شبه)، جـ: 13، ص: 503.
(5) الخطيب القزويني،
الإيضاح في علوم البلاغة، 164.
(6) بسيوني عبد
الفتاح فيود، علم البيان،ص: (24- 25).
(7) الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة،
ص: 169.
(8) النابغة
الجعديُّ، ديوانه، تـ: واضح الصمد، دار صادر، بيروت، ط: 1، 1998م، ص: 58. شاف
الدينار: جلاه وصقله.
(9) الرازي، فخر الدين محمد بن عمر، نهاية
الإيجاز في دراية الإعجاز، تـ: نصر الله حاجي مفتي، دار صادر، بيروت، ط: 1، 2004،
ص: 105.
(10) عبد الرحمن
البرقوقي، شرح ديوان المتنبي، هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014م، ص: 405.
(11) عبد الرحمن البرقوقي، شرح ديوان المتنبي،
ص: 728.
(12) بسيوني عبد
الفتاح فيود، علم البيان، ص: 28.
(13) الزوزني، الحسين
بن أحمد، شرح المعلقات العشر، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1983م، ص: 53. الجديل:
خطام يتخذ من الأدم، والمخصَّر: الدقيق الوسط، الأنبوب: ما بين العقدتين من القصب
وغيره، والسقيِّ: بمعنى المسقِّي.
(14) ذو الرُّمَّة،
غيلان بن عقبة العدوي، ديوانه، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، ط: 1، 1964م، ص:
586. العيس: كرام الإبل.الأطلال: جمع طلل، الشاخص من آثارالديار.الخَلَق: الثوب
البالي. المسلسل: الرقيق.
(15) البيت بلا نسبة.
انظر: ابن منظور، معجم لسان العرب، مادة(كفف) جـ: 9، ص: 304. الفجاج: جمع فج، وهو
الطريق الواسع الواضح بين جبلين. الكفة: ما يصاد به(الشبكة). الحابل: الصيَّاد.
(16) العباسي، أبو
الفتح عبد الرحيم بن عبد الرحمن، معاهد التنصيص على شواهد التلخيص، جـ: 1، ص: 236
(17) الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة،
ص: 189.
(18) المرجع السابق، ص: 189.
(19) البحتري، الوليد
بن عبيد ديوانه، تـ: حسن كامل الصيرفي، دار المعارف، القاهرة، طـ: 3، (ت. د) جـ:
1، ص: 435.
(20) الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، ص:
192.
(21) البحتري، جـ: 3، ص: 2011.
(22) الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة،
ص: 191.
(23) النابغة
الجعديُّ، ديوانه، ص: 58.
(24) الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، ص:
192.
(25) لبيد بن ربيعة، ديوانه، دار صادر، بيروت،
(ت. د)، ص: 165.
(26) الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة،
ص: 200.
(27) بسيوني عبد الفتاح فيود، علم البيان، ص:
156.
(28)
لبيد بن ربيعة، ديوانه، ص: 180.
(29) بسيوني عبد الفتاح فيود، علم البيان، ص:
124.
(30) عبد الرحمن البرقوقي، شرح ديوان المتنبي،
ص: 1247.
(31) بدوي طبانة،
معجم البلاغة العربيَّة، دار المنارة، جدة، ط: 3، 1988م، ص: 556.
(32) البحتري، جـ: 2، ص: 759.
تعليقات
إرسال تعليق