معنى الجملة في اللغة العربية




معنى الجملة في اللغة العربية
أ‌.       محمَّدإبراهيم  محمَّدعمر همَّد محمود
 المعنى في اللغة والاصطلاح:
      جاء في (لسان العرب) : "يُقالُ عَنَيْتُ فُلاناً عَنْياً أي قَصَدْتُ، ومَنْ تَعْنِي بقولِكَ أي مَنْ تَقْصُدُ ".(1) وجاء في (تاج العروس) :" (وعَنَى بالقَوْلِ كَذَا) يَعْنِي أرادَ وقصدَ . ومَعْنَى الكلام ، ومَعْنيّه ، بكسر النون مع تشديد الباء ، (ومَعْناتُه ، ومَعْنِيّه : واحد) ، أي فَحْواه ومَقْصَدُه ."(2)
ويشكل المعنى ثالث أركان الجملة مع التركيب والسياق،  حيث درج النحاة القدامى على إطلاق الكلام (الجملة) علي كل ما جمع بين التركيب والإفادة.(3) واستخدموا لفظ الإفادة بدلاً من المعنى، ويقصد بإفادة اللفظ : "دلالته علي البنية الإيجابية أو السلبية سواء كانت حاصلة عند السامع قبل أو لا. قصد بها المتكلم الكلام أو لا، طابق كلامه الواقع أو لا".(4) ويقصد بهذا القول : ما يدل عليه الكلام سواء أكان هذه المدلول معلوماً عند السامع من قبل أم لا ، وسواء أن قصد المتكلم هذا المدلول - الذي دل عليه الكلام – أم لم يقصده.
         وهذا أيضاً ما اعتمده المحدثون في دراستهم للجملة، حيث أكدوا على ضرورة أن يكون للجملة معنى يقصده المتكلم وإلا كانت عبثاً، يقول حمدي عمران عن ذلك:"أما الجملة فيعتبرها بعض اللغويين من أهم وحدات المعنى ، بل يعتبرها بعضهم أهم من الكلمة نفسها ... وعند  هؤلاء اللغويين لا يوجد معنى مستقل للكلمة بل معناها داخل الجملة التي ترد فيها.".(5) أما مصطفى حميدة فيجعل الغاية من الجملة هو نقل المعنى الذي يقصده المتكلم، حيث يقول: "والجملة معنى كامن في وعاء المبنى. والغاية من عملية الاتصال اللغوي هي نقل هذا المعنى.".(6)  ويتضح من كلام المحدثين أنهم أكدوا على ضرورة المعنى في الجملة ، ويُفهَمُ من كلامهم أنهم يقصدون ما يقصده المتكلم من التلفظ بالجملة.
تقسيم الكلام من حيث المعنى عند سيبويه:
       يقسم سيبويه الكلام من حيث المعنى إلى خمسة أقسام: مستقيم حسن، ومستقيم كذب، ومستقيم قبيح، ومحال، ومحال كذب.
القسم الأول – المستقيم الحسن: وهو ما جمع بين صحة المعنى وموافقة قواعد اللغة، ويضرب له مثالاً : أتيتك أمس. فهذه الجملة جمعت بين صحة المعنى  وإمكانية حدوثه من جانب ومراعاة قواعد اللغة من جانب آخر، حيث جاءت علي قالب مألوف في اللغة وهو : فعل + فاعل + مفعول + ظرف .
القسم الثاني -  المستقيم الكذب : ويقصد بذلك ما جاء موافقاً لقواعد اللغة العربية ، ولكل معناه غير مقبول إذا قُصِدَ منه الحقيقة ،  وإن كان جائزاً لو قُصِدَ منه  المجاز . ويضرب مثالاً لذلك : شربت ماء البحر . فالجملة جاءت موافقة لقواعد اللغة العربية  ، حيث جاءت علي قالب مألوف فيها ، إلا أن معناها غير مقبول علي الحقيقة ، حيث لا أحد يستطيع أن يشرب ماء البحر ، ولكن يجوز هذا المعنى لو قُصِدَ منه المجاز ، فأطلق الكل وأراد الجزء .
القسم الثالث - المستقيم القبيح: وهو ما جمع بين معنى مقبول في اللغة العربية وخروج عن قواعد اللغة في التركيب، ويضرب مثالاً لذلك بـ( قد زيداً رأيت)؛ فمعنى هذه الجملة مقبول عقلياً، إلا أنها جاءت مخالفة لقواعد اللغة العربية ؛ حيث فصل الاسم بين الفعل وأداة مُخْتَصَّة بالدخول علي الفعل (قد)، وهذا الفصل أمر لا تعرفه قواعد اللغة العربية .
القسم الرابع -  المحال: وهذا القسم هو ما كان غير مقبول علي الحقيقة، ولا يجوز فيه المجاز، علي الرغم من موافقته لقواعد اللغة في التركيب، ويضرب مثالاً لذلك بـ(أتيتك غداً)، فهذه الجملة موافقة لقواعد اللغة العربية ، حيث جاءت علي قالب مألوف من قواعدها، ولكنها غير مقبولة المعني سواء على الحقيقة أو المجاز، وذلك لأنه لا يمكن الجمع بين الفعل الماضي في الجملة (أتيتك) وظرف الزمان الدال على المستقبل (غداً)، فهي إذاً جملة من المحال حدوثها كما هي.
القسم الخامس - المحال الكذب: وهذا القسم جمع بين عدم قبول المعنى على الحقيقة وإمكانية المجاز في بعض منه، لو حذف منه شيء، ويضرب له مثالاً بـ(سوف أشرب ماء البحر أمس). فجزء من الجملة (سوف أشرب ماء البحر) غير مقبول على الحقيقة، ولكن قد يكون مقبولاً على سبيل المجاز، أما بعد انضمام بقية الجملة إليه يصبح من المحال.(7) وقد يبدو هذا القسم فرعاً من القسم السابق إلا أن سيبويه جعله قسماً لوحده.
     يتضح مما سبق ذكره أنَّ معنى الجملة يرتبط في مدلوله بالتركيب النحوي من جانب وبالسياق اللغوي من جانب آخر، وإي إخلال بهذين الارتباطين أو بأحدهما يؤدي إلى فساد المعنى أو التباسه لدى المتلقِّي.
_____________________________________
(1) ابن منظور، لسان العرب، الجزء الخامس عشر، مادة ( عنا ).
(2) الزُّبيدي، تاج العروس، الجزء التاسع والثلاثون، مادة ( عني ).
(3) ابن عُقيل، شرح ابن عُقيل علي ألفية ابن مالك، الجزء الأول، ص: 13.
(4) الصبان، حاشية الصبان، الجزء الأول، ص: 33.
(5) حمدي بخيت عمران، علم الدلالة بين النظرية والتطبيق، ص: 20.
(6) مصطفي حميدة ، نظام الارتباط والربط في تركيب الجملة، ص: 69.
(7) سيبويه، الكتاب، الجزء الأول، ص: 8.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وظيفة الجملة في اللغة العربية

دور السياق في تحديد المعنى المراد من الجملة العربيَّة

سلسلة النظريَّات البديلة من نظريَّة العامل النحويِّ(3) (نظريَّة تضافر القرائن للدكتور تمَّام حسَّان)